استنتاجات الموجز:
تقييم "إسرائيلي" للوضع في الضفة الغربية وسط مخاوف "إسرائيلية" من تكرار انتكاسة 73 لكن هذه المرة أمام "حماس"
تباين "إسرائيلي" إزاء الموقف الروسي من الهجمات في سوريا ووثيقة أمنية ترصد التهديدات الماثلة
شهدت الساحة الأمنية والعسكرية "الإسرائيلية" خلال الأيام الأخيرة نقاشات متلاحقة حول التطورات الجارية أهمها ما تشهده الضفة الغربية من توترات داخلية قد تعصف بالسلطة الفلسطينية، مع تزايد الاحتجاجات على الفساد، وتحذير من إمكانية تكرار الانتكاسة العسكرية والاستخبارية التي منيت بها "إسرائيل" عام 1973 أمام مصر وسوريا، لكن هذه المرة أمام "حماس". كما تزايدت التقارير الأخيرة حول وجود تغير في الموقف الروسي من استمرار الضربات الجوية "الإسرائيلية" لأهداف في سوريا، وأخيرًا حظيت وثيقة أمنية شاملة تم نشرها مؤخرًا بتغطية واسعة لأنها رصدت أهم المخاطر والتهديدات الأمنية المتفاقمة.
ففي الضفة الغربية، تتوافق التقييمات "الإسرائيلية" على أن الفلسطينيين سئموا من فساد السلطة الفلسطينية، ما يجعل نظامهم السياسي يعيش اضطرابات متلاحقة لاسيما عقب إلغاء الانتخابات، ومعرفة دوافع "أبو مازن" لاتخاذ قراره في اللحظات الأخيرة، وزيادة تكلفة المعيشة تحت الاحتلال "الإسرائيلي". ووفق القراءة "الإسرائيلية"، فإن استمرار هذا الوضع بالضفة قد يمهد الطريق أمام "حماس" لاستلام السلطة فيها، على "طبق من فضة"، ما سيزيد من مخاوف "إسرائيل" من هذا الخيار، ويدفعها للبحث بجدية عن نتائج هذه الفرضية المقلقة لها، بغض النظر عن موضوعيتها أو تضخيمها.
بدورها، تراقب المنظومة "الإسرائيلية" كيف تقمع السلطة الفلسطينية أي محاولة لتشكيل معارضة داخل مؤسساتها، وإذا كان هناك من يفكر في محاولة تحديها، فقد أثبتت أنها شرسة في مواجهة خصومها من الداخل، وتزعم أن كبار المسؤولين الأمنيين في تل أبيب والقاهرة وعمّان لديهم مخاوف من أن يؤدي استيلاء "حماس" على السلطة لتقوية "الإخوان المسلمين" في الأردن ومصر، ولذلك أدت مخاوفهم هذه لأن يتوافدوا للقاء نظرائهم الفلسطينيين، لمعرفة كيفية إقصاء "حماس" عن الضفة الغربية.
هذا، بينما يعتبر لافتًا أنه رغم تدمير البنية التحتية العسكرية لـ"حماس" في الضفة منذ عملية السور الواقي، وعدم سماح الأمن الفلسطيني لنشطاء الحركة برفع رؤوسهم، إلا أنه من الواضح أن مزيدًا من النشطاء الشباب ينضمون إليها، وأنها تعمل باستمرار لإعادة بناء قوتها العسكرية، وهو أمر مقلق للأوساط "الإسرائيلية" والإقليمية المجاورة.
في الوقت ذاته، صدرت في الآونة الأخيرة أصوات "إسرائيلية" تحذر من تكرار "انتكاسة" 1973، بسبب روح الغطرسة التي نمت في صفوف الجيش بعد انتصار 1967. ولعل مناسبة استحضار إخفاق تلك الحرب جاء عشية ما يخوضه جنرالات الجيش من نقاشات حول مدى ردع "حماس" في غزة، والقناعة السائدة بأن الحركة لا تريد الحرب؛ مع أن هناك فرْقًا كبيرًا بين الظروف التي فاجأ فيها المصريون والسوريون "إسرائيل" في حرب 1973، والمفاجأة المصغرة التي صنعتها لها "حماس" في أيار/ مايو 2021.
والغريب أن هذه الأصوات "الإسرائيلية" تقدر أنها لم تخطئ بقراءة مدى ردع العدو، وهي "حماس" في هذه الحالة، لكن الخطأ تمثل في عدم رؤية "إسرائيل" لحجم الدافع الديني الإسلامي لدى الحركة حين انتهكت المقدسات في المسجد الأقصى. إضافة لكل ذلك، فقد يكون ما شجع "حماس" أيضًا، وفق الرؤية "الإسرائيلية" ذاتها، أن ردع الجيش "الإسرائيلي" ضدها قد تآكل، بينما يرفض الاعتراف بذلك، كما حصل سابقًا عقب حرب 1967، حين كان يظلله "طاووس من الغطرسة" بعد ستة أيام من الحرب، واحتلال أراضٍ أكبر بعدة مرات من مساحة "إسرائيل" داخل الخط الأخضر.
ويتمثل الخطر الذي يحذر منه "الإسرائيليون" هذه الأيام في نزعة مجتمع استخبارات الجيش والقيادة العليا بتفسير الواقع وفق فرضياتها، رغم تغير الظروف وصدور تحذيرات خاطئة قبل حرب 1973، لكن "إسرائيل" وقعت فيما تطلق عليه اسم "تقصير الاستخبارات"، وهو في الواقع سلسلة من الأخطاء المتراكمة، وليس أقل تأثيرًا تلك الأخطاء التشغيلية، والخشية من تكرار ذلك أمام "حماس" أيضًا.
إقليميًا، شهدت الأوساط العسكرية والأمنية "الإسرائيلية" في الأيام الأخيرة نقاشات حادة، حول ما تردد من تغير السياسة الروسية تجاه الهجمات "الإسرائيلية" في سوريا؛ صحيح أن الروس يريدون ضمان حكم "الأسد" في سوريا، لكن الحكم على التقارير التي تفيد بأنهم أحبطوا الهجمات "الإسرائيلية" هناك مسألة بحاجة لمزيد من التوازن. ويؤكد "الإسرائيليون" أن هناك تنسيقًا "إسرائيليًا" مع الروس تقريبًا في الوقت الحقيقي، لاسيما في جميع الهجمات التي يتم تنفيذها في سوريا، ولا تخفى على الروس، لاسيما إن كانت تستهدف التدخل الإيراني، ونقل أسلحتها لـ"حزب الله" وسوريا، كما لا يزال سلاح الجو "الإسرائيلي" قادرًا على القيام بهجماته في سوريا بشكل مرضٍ، على الأقل حتى الآن.
ورغم وجود توافق "إسرائيلي"، مع بعض الاستثناءات، على عدم وجود تغيير في موقف روسيا من الهجمات "الإسرائيلية" في سوريا، لكن "إسرائيل" مقتنعة أن روسيا لا تساعد سوريا في اعتراض الهجمات "الإسرائيلية" على أراضيها، والدليل على ذلك أن سوريا لا تستخدم أنظمة الاعتراض الروسية المتطورة ضد هذه الهجمات.
في المناقشات وتقييمات الوضع الداخلي التي أجريت في الجيش "الإسرائيلي"، خرج كبار الجنرالات باستنتاج مفاده عدم وجود تغيير على الأرض، ولم يكن القصد من المنشورات الأخيرة نقل رسالة إلى "إسرائيل" مفادها أن الروس يفقدون صبرهم تجاهها، لكن المؤسسة العسكرية "الإسرائيلية" تعتقد أن الروس يفهمون جيدًا أن الوضع في سوريا معقد للغاية، ويفضلون عدم قيام "إسرائيل" بتلك الهجمات، لكن مصالحهم تكمن بمنع تمركز إيران و"حزب الله" في سوريا.
من جهة أخرى، وعشية تسلم الرئيس "الإسرائيلي" الجديد، يتسحاق هرتسوع، مهامه، قدم له معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب وثيقة يستعرض فيها التهديدات الأمنية، تضمنت كثيرًا من البنود، وأشرف عليها البروفيسور، مانويل تراختنبرغ، بعنوان "التحديات الاستراتيجية الرئيسية لإسرائيل والتوصيات السياسية للنصف الثاني من 2021". وعرّفت الوثيقة برنامج إيران النووي بالتهديد الأكثر خطورة على "إسرائيل"، لأنها تكتسب المعرفة اللازمة للأسلحة النووية، وتتقدم في تخصيب اليورانيوم لمستويات عالية.
على صعيد الساحة الشمالية، فإن احتمالات التهديد تتزايد في ظل ضعف لبنان لدرجة التفكك والمزيد من الانقسام في سوريا، ما يسمح لإيران بتعميق تدخلها وبناء "آلة الحرب" التي تعتمد بشكل متزايد على القدرات الهجومية الدقيقة. ورغم وجود ردع متبادل بين "إسرائيل" و"حزب الله"، لكن احتمالية التدهور نتيجة للأنشطة التي قد تؤدي إلى ديناميكيات التصعيد تتزايد.
فلسطينيًا، زعمت الوثيقة أن هذه الساحة هامشية على جدول الأعمال الدولي والإقليمي، لكن ذلك يتزامن مع دعوة "إسرائيل" لتعزيز السلطة الفلسطينية، لأن ضرورة تقويتها يكمن في تحقيق استقرار أمني للضفة الغربية، والمحافظة عليها كشريك في تسوية مستقبلية، مع الحفاظ على حوار سياسي رفيع المستوى وتعميق التوأمة الأمنية، والاستعداد لانتهاء عهد "أبو مازن"، خاصةً في ظل تقوية "حماس"، التي تدعو الوثيقة لضرورة التوصل لاتفاق لوقف إطلاق نار طويل المدى معها، وفي الوقت ذاته الاستعداد لعملية عسكرية في غزة.
لقراءة وتحميل الموجز/ اضغط هنا