استنتاجات الموجز:
الدبلوماسية الأردنية مستمرة بالتحرك الإقليمي اللافت بعيدًا عن تقييدات ورغبات الحلفاء الخليجيين رغم ما تحمله الخطوة من مغامرة قد تدفع المملكة كلفتها مستقبلًا
يبدو أن الدولة بدأت تتقبل فكرة أحادية التحريك الاقتصادي لملف القضية الفلسطينية بعيدًا عن تقدم المسارات السياسية
تستمر الدبلوماسية الأردنية بمروحة الحراك الإقليمي غير عابئة بارتدادات تحالفات سابقة خليجية طالما شكلت عائقًا أمام حرية الانفتاح الأردن، وعليه تبدو الدولة أكثر انسيابية بانفتاحها الإقليمي بعد الزيارة الملكية لواشنطن. لكن بالمقابل، قد تجر حالة التشبيك الجديدة وتحديدًا مع القاهرة وبغداد، بعيدًا عن الرياض وأبو ظبي كلفة كبيرة مستقبلًا؛ فالمغادرة التامة للمحور الخليجي وحساباته تحتاج لتروٍ بحسابات العلاقة الاستراتيجية كما يقول سياسيون.
واللافت في الحراك الأردني أيضًا هو التدرج في فتحه أبواب علاقات جديدة باتجاه دول إقليمية كبيرة منها تركيا، وأيضًا في اتجاه المحور القطري، وقبل ذلك فتح كل الأبواب في اتجاه مصر والعراق، وسط حالة تفاعل سياسي غير مسبوقة يقال إنها تضع البيض الأردني بشكل لافت في سلتي رئيس حكومة العراق، مصطفى الكاظمي، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
في التبرير السياسي لهذا التحرك في البوصلة الخارجية، يجيب الناطق الرسمي باسم الحكومة، صخر دودين، بأن معيارها "مصلحة الأردن أولًا، ومصلحة القضية الفلسطينية ثانيًا"، باعتبارها من المفاصل والمحاور الأساسية في مجمل الرؤى الأردنية، لكن السؤال مطروح حول إذا كان كل ذلك مؤهلًا لإعفاء الأردن سياسيًا من كلفة التمحور الجديد.
مقابل ذلك، تستمر الأحداث في درعا جنوب سوريا بإثارة الهواجس والحساسية الأمنية والاجتماعية والدبلوماسية الأردنية، في ظل رسائل يعتقد صانع القرار أن طهران بدأت إرسالها كنتيجة طبيعة لتفاعل المملكة مع بعض المطالب والرغبات الأمريكية، وعلى رأسها الاتفاقية العسكرية المثيرة للجدل محليًا، فضلًا عن زيادة الحضور العسكري الأمريكي على الأراضي الأردنية القريبة من العراق وسوريا ولبنان.
ورغم أن الأردن ليس جزءًا من أي عملية عسكرية أو سياسية منظمة، سواءً على الجبهة الأمريكية أو على "الإسرائيلية"، ضد إيران ومصالحها في المنطقة، إلا أن المملكة معنية كما يؤكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، بإقامة علاقات واتصالات وتفاهمات جوار مع طهران، إلا أن ذلك لم يفسَّر دبلوماسيًا بعدُ.
كما إن عمّان لم تسمّ بعد سفيرًا إلى طهران لتطوير العلاقات منذ أكثر من أربع سنوات، ما يعني بنظر الإيرانيين أن المملكة لا ترغب في كسر جمود العلاقة بين الطرفين، ما يرتب أيضًا وبالمثل إغلاقًا لأي انسياب اقتصادي محتمل على السوق العراقية يطمح به الأردن، حيث سيبقى الفيتو قائما من المجاميع السياسية والحزبية المحسوبة على إيران في بغداد، ما يستدعي مقاربة أردنية جديدة تجاه التعاطي مع طهران .
في الملف الفلسطيني، يبدو أن جميع الأطراف بما فيها الأردن باتت على قناعة أن أي تحرك لعجلة حل الدولتين لن يصمد دون دعم أمريكي، وهو ما بدا متعذرًا على الأقل في المدى المنظور، نظرًا لانشغالات وأولويات الإدارة الجديدة والتي ليس من ضمنها الملف الفلسطيني.
لكن هذا لم يمنع من تحريك ملف القضية على جنبها الاقتصادي؛ حيث بدأت الأرقام الاقتصادية تلعب دورها السياسي في سياق المعادلة الفلسطينية حتى دون وجود أي سقف تفاوضي جديد. وهنا تحديدًا يمكن فهم الإشارات التي سبقت اجتماع قمة القاهرة الثلاثي، حيث نشطت الاتصالات المتعلقة بإطلاق حزمة مشاريع وترتيبات اقتصادية تشمل السلطة والأردن ومصر، بغطاء أمريكي وتنسيق "إسرائيلي"، دون أي اعتبارات سياسية متعلقة بقطار المفاوضات المتوقف. ومن المحتمل اتخاذ خطوات قد تكون غير مسبوقة لمساعدة الاقتصاد الأردني، عبر فتح الأسواق الفلسطينية تحديدًا، على أن تستفيد مصر من إعادة إعمار غزة، مع ترتيبات لحصة السلطة الفلسطينية من هذا التحريك.
في سياق ذي صلة، التقى رئيس دولة الاحتلال، إسحق هرتسوغ، مع الملك، عبد الله الثاني، الذي دعاه إلى قصره في عمّان، حيث بحثا خلال اللقاء التعاون المحتمل في مجال الطاقة والاقتصاد والزراعة وأزمة المناخ، وذلك بعد شهرين من لقاء سري بين الملك ورئيس الحكومة، نفتالي بينيت.
عربيًا، ناشد أعضاء في لجنة التفاوض ووجهاء عشائر في مدينة درعا جنوب سوريا، الملك عبد الله الثاني بالسماح بدخول أهالي درعا الفارين من القصف، بعد انتهاك النظام لاتفاق وقف إطلاق النار، والتقدم بمطالب إضافية ضاغطة على السكان. في هذا الإطار، تشير التقديرات القريبة من صانع القرار إلى أن الدولة لن تستجيب لتلك النداءات، خاصةً مع الضغط الهائل الذي تعاني منه المملكة من تواجد أعداد كبيرة من اللاجئين، بينما تتحرك الدبلوماسية الأردنية في الوقت نفسه لمحاولة ضمان سلامتهم وإنهاء حالة التصعيد.
عربيًا أيضًا، وبعد أيام من زيارة الوفد الوزاري اللبناني إلى دمشق لبحث سبل استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، التقى وزراء الطاقة في الأردن ومصر وسوريا ولبنان في عمّان وعقدوا اجتماعات، مغلقة تركّزت حول سبل تذليل العقبات لإنجاح فكرة المشروع الحيوي للدول الأربع.
في سياق محلي، ينتظر الأردنيون مخرجات لجنة الإصلاح السياسي الملكية، والتي برزت أولى تباشيرها بتسريبات لقانون الانتخاب المنوي طرحه للعلن، حيث انتهت عمليًا النقاشات الصاخبة داخل اللجنة لتحديث المنظومة السياسية. لكن الطموح بدا منخفضًا فيما يتعلق بقانوني الانتخاب والأحزاب؛ فلا جديد حقيقي يوازي عملية الضخ الإعلامي التي رافقت تشكيل اللجنة، التي قيل حين تشكيلها إنها ستبدل ملامح الحياة السياسية وستنقل البلاد إلى برلمان حزبي. واتضح أنه جرى تنفيس بالون الطموح كثيرًا بعد تقليم أبرز المقترحات لصالح "تسويات بالجملة"، اشتغل عليها التيار المحافظ باللجنة والدولة، فيما بدأت جماعة الإخوان تتحدث عن كمين سياسي، بدأ بأفكار وآمال مرضية وانتهى بصيغ ضيقة ومكلفة سياسيًا واجتماعيًا في قاموس الإسلاميين.
محليًا أيضًا، وضمن السياق القضائي، ردت محكمة التمييز (أعلى سلطة قضائية في الدولة) الطعن المقدم من قبل كل من "باسم عوض الله" و"الشريف عبد الرحمن حسن زيد"، في قضية زعزعة استقرار الأردن والتي عرفت باسم "قضية الفتنة". وقضت المحكمة بإدانة المتهمين بالقرار الصادر عن محكمة أمن الدولة، بجناية التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي القائم بالمملكة، بالاشتراك وجناية القيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإحداث فتنة بالاشتراك، وإدانة المتهم الثاني، الشريف عبد الرحمن حسن زيد، بجنحة حيازة مادة مخدرة بقصد التعاطي، وجنحة تعاطي المواد المخدرة، والحكم بوضعهما بالأشغال المؤقتة لمدة 15 سنة.
في شأن محلي منفصل، انشغل الأردنيون بقرار وزير الأوقاف، محمد الخلايلة، بإيقاف الدورات التي تقيمها "جمعية المحافظة على القرآن الكريم"، المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، خصوصًا من جهة مزامنة القرار مع قرار للحكومة بفتح النوادي الليلية والبارات وصالات الديسكو، التي كانت مغلقة بسبب أزمة فيروس "كورونا". وقوبلت قررات الوزير باستهجان وجدل على مواقع التواصل، حين اشترط الوزير لممارسة أعمال الجمعية الحصول على موافقة الوزارة في كل صغيرة وكبيرة من أنشطتها.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا