استنتاجات الموجز:
رغم إعادة اعتقال الأسرى إلا أن نجاحهم في الهروب جعلهم أبطالًا وأدخلهم تاريخ النضال وأثبت هشاشة وضعف المنظومة "الإسرائيلية"
خارطة طريق للتحديات الأمنية "الإسرائيلية" وسط تخوف "إسرائيلي" من تحول العمليات الفردية لظاهرة عامة وإمكان اندلاع انتفاضة بين "فلسطينيي 48"
حفل الأسبوع الماضي بأحداث أمنية وعسكرية متلاحقة في الداخل "الإسرائيلي"، تصدرتها عملية إعادة اعتقال الأسرى الستة الذين هربوا من سجن جلبوع، مرورًا بالتحديات الأمنية التي تشكل مصدر قلق لدولة الاحتلال مع دخول السنة العبرية الجديدة، وصولًا إلى التخوف "الإسرائيلي" من تحول العمليات الفردية إلى ظاهرة عامة، وانتهاءً بتزايد التحذيرات الأمنية "الإسرائيلية" من احتمال اندلاع انتفاضة بين "فلسطينيي 48".
في التفاصيل، ما زال من السابق لأوانه معرفة تأثير إعادة اعتقال الأسرى الفلسطينيين الذين حرروا أنفسهم من سجن جلبوع على الشارع الفلسطيني، رغم أن اعتقالهم منع اندلاع حريق كبير في الأراضي الفلسطينية، لأنه منذ هروبهم وحتى اعتقال آخرهم، عاش الفلسطينيون و"الإسرائيليون" خلال تلك الأيام على وتر حساس.
صحيح أن القبض على آخر أسيرين تجولا بحرية تم بأقل قدر من الضرر على الجيش "الإسرائيلي"، وتم الوصول إليهم في مخابئهم بفضل المعلومات الاستخباراتية الدقيقة والقوات الموجودة على الأرض، وصحيح أن اعتقال الستة تم دون قتال، ما قلل بشكل كبير من احتمال اندلاع الصدامات التي كان يمكن أن تندلع في الضفة الغربية أو إطلاق صواريخ من غزة، لكن يمكن القول بشكل شبه مؤكد أن هؤلاء الأسرى باتوا يشبهون "ولاعة حريق" كبيرة.
هذا، مع العلم أن اعتقال الأسرى الستة لن يخفف من حجم الفشل "الإسرائيلي" الذي أظهره نجاحهم في الفرار من سجن جلبوع؛ فقد أصبحوا أبطالًا في الشارع الفلسطيني، ودخلوا صفحات تاريخ النضال في السجون. ولم تتحول إعادة اعتقالهم إلى أسطورة "إسرائيلية" لأن تمكنهم من التحرر من أكثر السجون حراسة عبر نفق أرضي، يؤكد هشاشة وضعف المنظومة "الإسرائيلية".
كما بدا واضحًا أن احتفال "إسرائيل" بإعادة اعتقالهم جاء "منخفضًا"، لأن عملية هروبهم حملت رسالة للفلسطينيين بأن المنظومة "الإسرائيلية" ضعيفة وقابلة للاختراق، فضلًا عن كون العملية برمتها تشكل فضيحة لمصلحة السجون، إذ كشفتها عارية أمام "الإسرائيليين"، لأن هناك جملة إخفاقات سبقت هذه العملية.
في الوقت ذاته، تجد "إسرائيل" نفسها في مواجهة جملة تحديات أمنية وتهديدات عسكرية ثقيلة، أهمها الانسحاب الأمريكي المتواصل من الشرق الأوسط، وصولًا إلى شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادئ، بما قد يعتبره خصومها علامة على تراجعها، دون إغفال مواجهة تحديات ملحة أخرى مثل وقف وباء "كورونا"، والتهديدات الأمنية، واستمرار الجريمة بين "فلسطينيي48"، وهروب الأسرى من سجن جلبوع.
ورغم أن الحكومة "الإسرائيلية" الجديدة تحاول "إعادة تنشيط" علاقاتها مع إدارة "بايدن" وحل الخلافات معها بهدوء، والتوصل لتفاهمات حول القضايا الجوهرية مع تنشيط الحوار مع أوروبا، كما بدأت تعيد العلاقات مع الأردن، لكن لا تزال إيران تشكل التهديد الأكثر خطورة وتعقيدًا لـ"إسرائيل"، ويرجع ذلك في المقام الأول لسعيها لامتلاك أسلحة نووية وهو تهديد ذو إمكانات وجودية.
من جهة أخرى، يظهر البعد السيبراني في جميع الساحات الجغرافية، تزامنًا مع تكثيف "حزب الله" ترسانة الصواريخ الدقيقة، ما سيسمح لمجموعة واسعة من الأسلحة الدقيقة بضرب "إسرائيل" بشدة في وقت الحرب، فيما استُخدمت طائرات دون طيار ضد "إسرائيل" من العراق وغزة. فلدى "حزب الله" العديد من هذه الطائرات الهجومية، حيث تعتبر النيران الدقيقة تهديدًا استراتيجيًا خطيرًا ضد "إسرائيل"، مع وجود قدرة إنتاج صواريخ دقيقة في لبنان، والقدرة على الإطلاق من سوريا، رغم أن العمل "الإسرائيلي" المضاد للبنان قد يؤدي لنشوب حرب.
على صعيد متصل، ظهر قلق "إسرائيلي" متزايد من تنامي ظاهرة العمليات الفلسطينية الفردية وتحولها إلى حالة عامّة، ما يفرض استنفارًا أمنيًا مستمرًا، وتدريبات خاصة لعناصر جيش وشرطة الاحتلال، لأن هجمات الطعن بالسكاكين التي شهدتها أنحاء مختلفة من "إسرائيل" عام 2015 دفعت الجيش لأن يدرك أن مصير التصعيد قد يتحول في ثانية واحدة، ما قد يتطلب مزيدًا من اليقظة والسرعة من قوات الأمن.
هذا، مع العلم أن العمليات الفردية الفلسطينية الأخيرة قد تتحول إلى موجة عامة، ويعتمد ذلك إلى حد كبير على شخص واحد في النهاية، وهو الجندي في الموقع العسكري أو حارس الأمن عند بوابة المستوطنة، أو شرطي عند نقطة التفتيش أو عابر سبيل في حالة تأهب.
في هذا الإطار، علّمت تجربة العمليات السابقة "الإسرائيليين" أن نهايتها السريعة ستؤدي لوقف موجتها، في ظل أن وقوع خسائر بشرية "إسرائيلية" تدفع باقي الفلسطينيين لتقليد تلك العمليات ومحاكاتها، كما أن ضباط وجنود الجيش على دراية بهذه المعادلة من الضفة الغربية، وهي صحيحة أيضًا داخل الخط الأخضر.
فضلًا عن ذلك، فإن الواقع الأمني آخذ في السخونة مع مرور الوقت، ووقوع سلسلة من ثلاث هجمات مسلحة في ثلاثة أيام في الضفة الغربية والقدس، تذكرنا بما شهده شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015، من ظهور فترة "التهديد المنفرد" المتمثل في حمل الشبان والفتيان الفلسطينيين للسكاكين، أو الضغط على دواسة الوقود أو إطلاق النار بعد مرورهم بمرحلة تحريض متعمدة.
وقد دفع تزايد هذه العمليات الفدائية بجيش الاحتلال لمحاولة كسر هذه المعادلة الدامية، لأنه فهم أن الأمر يعتمد على مدى نجاح الهجوم، بمعنى وقوع خسائر بشرية "إسرائيلية" وأعدادها، وفي الوقت ذاته حجم الشهرة التي حصل عليها منفذو الهجمات داخل الأوساط الفلسطينية، خاصةً التغطية الإعلامية واسعة النطاق، والصدى الكبير الذي حصل عليه في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، والشرف الذي عاد لعائلاتهم، ما منحهم هالة كبيرة ورغبة بأن يكون الآخرون مثلهم.
في الوقت ذاته، يحذر "الإسرائيليون" من اندلاع انتفاضة بين "فلسطينيي48"، في ظل توفر العديد من العلامات المقلقة، ما يتطلب من قوات الأمن "الإسرائيلية" الاستعداد لأي سيناريو متوقع، مع إمكانية انضمامهم لأعمال الاحتجاجات بجانب إخوتهم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
فهناك العديد من العلامات الأمنية المقلقة وجدت طريقها إلى فلسطينيي48، ومن بينها هدير آلاف مشجعي نادي سخنين بهتافات "بالروح بالدم نفديك يا أقصى"، ونشر عضو الكنيست السابق ورئيس لجنة "مراقبة فلسطينيي48"، محمد بركة، رسالة تلقاها من المقاومة الفلسطينية التي ترفض محاولات "الدعاية الصهيونية" لتقديم فلسطينيي48 على أنهم "متعاونون" مع "إسرائيل"، بعد قصة هروب الأسرى.
كما إن هناك عاملًا مهمًا يتمثل في تزايد عمل وحضور نشطاء فصيلي الحركة الإسلامية في أراضي 48 الشمالي المحظور، أو الجنوبي الممثل الآن في الحكومة، وتواجد أنصار حركة "حماس" بينهم، والوطنيين الراديكاليين، كل هذه احتمالات مرشحة لاندلاع مزيد من النيران.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا