استنتاجات الموجز:
تبادل الاتهامات بين المكونين العسكري والمدني يؤجج الصراع وسط اتهامات بسعي الأول لتمديد رئاسته للمجلس السيادي الانتقالي
انفراج طفيف في أزمة الشرق بعد ضمانات الوفد المفاوض برئاسة العسكر الذي يجيد احتواء الأزمة وإرضاء الأطراف
تصاعد وتيرة الانفلات الأمني في ظل صراع قطبي السلطة وغياب الحسم ودعوات للتظاهر يوم 30 سبتمبر قد تؤجج الصراع
أعلن الجيش إحباط محاولة انقلاب للاستيلاء على السلطة في البلاد، فيما تم القبض على 21 ضابطًا من المتورطين فيها، بينما تحولت المحاولة إلى مثار خلاف بين المدنيين والعسكر. وبعد إحباط الانقلاب، برز كل من "البرهان" و"حميدتي" في خطابين متزامنين أمام قواتهما ليتهما القوى السياسية المنشغلة بالصراعات، وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية. ومضى "البرهان" أبعد من ذلك؛ حيث قال إنه لا توجد حكومة منتخبة في البلاد، وإن القوات المسلحة هي الوصية على أمن السودان ووحدته، في حين عزا "حميدتي" تعدد الانقلابات إلى خلافات الأحزاب.
بالمقابل، قال رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، إنه من الضروري إعادة هيكلة القوات النظامية، وولاية وزارة المالية على شركاتها الاستثمارية. من جهته، قال مصدر مسؤول رفيع في المكون المدني إن العسكر يقفون خلف الانفلات الأمني بالخرطوم وخلف الحراك الاحتجاجي شرق السودان، الذي أدى إلى إغلاق الطريق القومي وموانئ ومطارات بورتسودان. وبحسب المسؤول، فإن "البرهان" يشعر بالغضب بسبب أن التطبيع مع "إسرائيل"، بعد الجهد الكبير الذي بذله في الملف، في طريقه ليكون في يد المدنيين. وأوضح المسؤول نفسه أنه تبعًا لكل ذلك، يعمل العسكر على تحريك الأرض تحت أقدام "قوى الحرية والتغيير"، لتحقيق انقلاب أبيض، أو على الأقل الوصول إلى معادلة سياسية يتحكم فيها، عن طريق دعم مجموعات منشقة من التحالف الحاكم وقوى كانت متحالفة في نظام "البشير".
في السياق، بلغت معركة كسر العظم ذروتها بين المكونين، حيث أعلن عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد الفكي، (مدني)، تحول مقر اللجنة (مبنى البرلمان العتيق) إلى غرفة عمليات تضم قيادة وفروع لجنة التفكيك ولجان العمل الميداني، ولجان المقاومة قائدة الاحتجاجات التي أسقطت "البشير". وعقب حشد تعبوي تشكلت فرق حماية لمقر لجنة التفكيك، بعد أن سحب الجيش قواته بأوامر من "البرهان". وتتّبع أطراف التصعيد بين المدنيين والعسكريين سياسة حافة الهاوية، يهدف منها العسكريون لفتح تفاوض جديد مع ائتلاف "قوى الحرية والتغيير"، ربما يعود لنقطة الصفر بعد فضّ الاعتصام، ما يتطلب تدخل وساطات إقليمية مجددًا.
في هذاا لإطار، يذكر أن التصعيد بدأ بـ"خطاب المرخيات" الذي ألقاه "البرهان" أمام قواته في منطقة المرخيات شمال الخرطوم، غداة إعلان الجيش إحباط محاولة انقلابية، مع خطاب آخر لنائبه "حميدتي"، حيث اتفق قائدا الجيش و"الدعم السريع" في الهجوم على شركائهم المدنيين في "قوى الحرية والتغيير"، من باب انقساماتهم التي تغري الانقلابيين.
وفي أعقاب رد الفكي" الغاضب على الخطابين، ظهر "البرهان" وقبله "حميدتي"، مجددًا في خطابات مرتجلة كانت أكثر وضوحًا؛ حيث طالب "البرهان" بتوحد قوى الثورة، قائلًا إن "خطنا لن يمضي مع مجموعة صغيرة اختطفت التغيير، نريد من الذين خرجوا من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والآخرين التوحد." وفي تصعيد خطير، أتبع "البرهان" حربه الكلامية بخطوات عملية بإصداره أوامر لعناصر الجيش التي تؤمن مقر لجنة التفكيك والأصول المستردة، بالانسحاب، وهو ما حدث بحلول الظهر.
من جانبهم، رجّح مراقبون أن العسكريين في مجلس السيادة ينفذون خطة تصعيدية تتبع سياسة حافة الهاوية، وينتظر أن ينتهي التصعيد بأفعال تتجاوز حالة التهديد، بتفاوض جديد بين الطرفين لفتح ملفات تشكل مخاوف للعسكريين. ويتوقع البعض أن يكون ائتلاف الحرية والتغيير أول أجندة هذا التفاوض، إذ إن "البرهان" و"حميدتي" ركزا في خطابيهما على ضرورة إدخال أحزاب، ربما تكون موالية لهما، في الائتلاف الحاكم. كما يريد العسكر مواصلة تولي "البرهان" رئاسة المجلس السيادي، مع اقتراب موعد انتقال الرئاسة للمدنيين في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، وهو أمر لا يخلو من الجدل.
ومن النقاط التي تشكل هاجسًا للقوات النظامية: ملف العدالة، خاصةً ما يتعلق بالتحقيق في فض الاعتصام أمام قيادة الجيش، والذي خلّف مئات القتلى والمصابين والمفقودين، والشركات والاستثمارات التابعة للجيش وقوات الدعم السريع وجهاز المخابرات العامة، في ظل مطالبات غربية بولاية وزارة المالية عليها. كما ستشمل، وفقًا لهذا التوقع، تحجيم لجنة التفكيك وإصلاح وهيكلة الجيش، إذ إن "حميدتي"، الذي بدا حليفًا لـ"البرهان" في معركته ضد المدنيين، يقاوم دمج قواته في الجيش كما نصت على ذلك الوثيقة الدستورية. وكورقة أخيرة، يبدو "حمدوك" وسيطًا بين المدنيين والعسكريين، لأنه لم يدخل في حالة التصعيد والحرب الكلامية المستعرة بين الطرفين. ويواصل الجانبان تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن تردي الأوضاع في البلاد، رغم دعوات دولية لتخفيف التوتر.
في السياق أيضًا، قال الأمين السياسي لحركة "العدل والمساواة"، سليمان صندل، إن "قوى سياسية وحركات مسلحة بدأت العمل على تأسيس ائتلاف جديد"، بعد إصرار من وصفهم بـ"القوى الصغيرة المختطفة للحرية والتغيير" على ممارسة الإقصاء وتنفيذ رؤى أحادية، مضيفًا: "لم يكن أمامنا خيار آخر، خيارنا الآن طرح البديل الوطني الواسع الشامل، نمضي في طرح خطتنا إلى الشعب السوداني نحن كحرية وتغيير". وأفاد "صندل" بأن أبرز القوى التي ستأسس الائتلاف الجديد هي "حركة العدل والمساواة" و"حركة تحرير السودان" و"حزب الأمة" و"الحزب الاتحاد الديمقراطي" و"الحزب الاتحادي الموحد" و"التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية" و"حزب البعث السوداني" و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" و"الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة".
أمنيًا، فضّت قوات الشرطة بقسوة تجمعًا من "حمدوك" تظاهر دعمًا للانتقال قرب القصر الرئاسي، فيما قال بيان للشرطة إن إحدى المركبات تعرضت لحريق جزئي تمت السيطرة عليه إثر إلقاء عبوة حارقة "ملوتوف"، مشيرًا لوقوع بعض الإصابات في أفراد القوة.
على صعيد التداعيات الخارجية، أعلنت أمريكا دعمها إصلاح قطاع الأمن السوداني تحت قيادة الحكومة المدنية، مؤكدةً إدانتها لعملية الانقلاب العسكري الفاشل والتدخل الخارجي الهادف لبث التضليل الإعلامي وتقويض إرادة الشعب.
محليًا، أعلنت وزارة الطاقة والنفط عن استئناف صادرات البترول وعودة ميناء بشائر للعمل بصور طبيعية، وذلك عقب التوصل لاتفاق مع المحتجين بشرق السودان لاستئناف عمليات صادر الخام النفطي، بواسطة وفد رسمي زار مدينة بورتسودان بقيادة عضو مجلس السيادة الفريق أول، شمس الدين كباشي، وعدد من الوزراء بينهم وزير الطاقة والنفط. وعمد أنصار الزعيم القبلي، محمد الأمين ترك، المنضوين تحت لواء مجلس نظارات البجا إلى إغلاق الطرق والموانئ الحيوية شرق البلاد، للضغط على الحكومة وإجبارها على إلغاء مسار الشرق المضمن في اتفاق جوبا ومطالب أخرى. كما حشدت قبائل داعمة لمسار الشرق المضمن في اتفاق السلام آلاف الأشخاص لدعم المسار والحكومة المدنية، وأقامت مؤتمرًا أوصى باعتماد الحكم الذاتي لأقاليم البلاد.
ويأتي هذا الحشد ردًا على زعيم قبيلة الهدندوة، محمد ترك، الذي يغلق أنصاره مطاري كسلا وبورتسودان والموانئ البحرية والطرق الرابطة بين شرق السودان والخرطوم، في محاولة منه للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبه، ويضم المجلس الأعلى للإدارة الأهلية نحو 17 قبيلة، أبرزهم البني عامر والبشاريين الذين شاركوا في المؤتمر إضافة إلى رجل الدين ذو النفوذ الواسع في شرق السودان، علي بيتاي. وأوصى المؤتمر بإعادة هيكلة الدولة اعتمادًا على "مبدأ الحكم الذاتي باعتبار أن تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأبناء الأقاليم، يتيح أن يديروا أقاليمهم بحكم ذاتي".
خارجيًا، نفت حركة "حماس" مصادرة استثمارات لها في السودان، مشيرةً إلى أن تلك الاستثمارات والممتلكات تعود لرجال أعمال لا صلة تنظيمية لهم بالحركة. جاء ذلك ردًا على تقرير لوكالة "رويترز" ذكر أن السلطات السودانية وضعت يدها على كيانات واستثمارات ذات صلة بالحركة. وأكدت "حماس" عمق العلاقة بين الشعبين الفلسطيني والسوداني، مذكرةً بالمواقف التاريخية للشعب السوداني وحكوماته المتعاقبة في دعم القضية الفلسطينية.
في ملف "سد النهضة"، أكد وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، أن السد واجه "تهديدات لا تنتهي"، وأن بلاده ماضية في استغلال مواردها الطبيعية، في حين حذرت دراسة مصرية من إمكانية انهيار السد. وكانت أديس أبابا أشارت مؤخرًا إلى محاولات لجبهة تحرير تيغراي لاستهدافه، وذلك وسط تقارير عن احتمال تعرض المنشأة الواقعة على نهر النيل الأزرق لعمل عسكري في ظل المأزق الذي آلت إليه المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان.
في سياق متصل، قالت مصادر أمنية سودانية إن الجيش السوداني تصدى لقوات إثيوبية حاولت التوغل في قطاع أم براكيت (شرق البلاد) وأجبرها على التراجع، فيما نفى الجانب الإثيوبي ذلك مؤكدًا أنه لم يقم بأي تحرك عسكري. يذكر أن الحدود السودانية الإثيوبية تشهد توترات منذ فترة؛ حيث أعلنت الخرطوم سيطرة الجيش على كامل أراضي بلاده في منطقة الفشقة الحدودية مع إثيوبيا. بالمقابل، تتهم أديس أبابا الجيش السوداني بالاستيلاء على تسعة معسكرات داخل الأراضي الإثيوبية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو ما تنفيه الخرطوم.
في شأن محلي منفصل، أنهت لجنة تفكيك نظام الـ30 من يونيو 1989، خدمة قُضاة ووكلاء نيابة وعشرات الموظفين بمؤسسات الدولة. وقال عضو اللجنة، وجدي صالح، إن لجنة التفكيك لا تُنهي خدمات العاملين لمجرد انتماءهم للنظام السابق وإنما "الذين ينشطون ضد الانتقال الديمقراطي"، موضحًا أن هناك قرارات صُدرت لكنها لم تُعلن لطبيعتها الإجرائية والتحفظية.
اقتصاديًا، أجاز الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء موازنة الدولة المعدلة لعام 2021، وقال وزير المالية، جبريل إبراهيم، إن الموازنة المعدلة سبق أن تم اعتمادها هذا العام، لكن الضرورة اقتضت تعديلها بعد التغيير الذي طرأ على سعر الصرف، فضلًا عن التعديلات التي حدثت في الأسعار، وأضاف: " لذلك وجدنا أنه لابد من إعادة ترتيب الموازنة حتى تفي بمتطلبات تسيير الدولة في الفترة المتبقية من العام الحالي".
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا