استنتاجات الموجز:
محاولات مصرية أردنية حثيثة لإعادة تعويم النظام السوري وعودته للجامعة العربية وسط مقترحات روسية لعقد محادثات ثلاثية مع واشنطن وتل أبيب لإيجاد مقاربات جديدة لحل الأزمة السورية
قمة "أردوغان – بوتين" حافظت على التفاهمات السابقة وضبطت إيقاع الصراع مجنّبةً إدلب عمليات عسكرية، رغم عدم وجود مؤشرات واضحة حول كيفية تطبيق تلك التفاهمات على الأرض
على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حضر الملف السوري في المشهد السياسي الدولي؛ حيث هيأت هذه الاجتماعات فرصة لعقد لقاءات للنظام السوري والمعارضة السياسية والأكراد، لإجراء مشاورات ولقاءات مع أطراف دولية مختلفة وسط تضارب في أولويات كل طرف.
ففي حين ظهرت مؤشرات على دور مصري أردني بالتنسيق مع روسيا لتعويم النظام السوري، لإفساح المجال أمام عودة سوريا لجامعة الدول العربية خلال القمة المقبلة، حين أجرى وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، لقاءات مع كل من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والأردني، أيمن الصفدي، ولأول مرة منذ عشر سنوات مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إضافةً إلى وزراء خارجية كل من فنزويلا وبيلاروسيا وقرغيزستان، برزت اللقاءات التي أجرها وفد "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" السورية، برئاسة رئيس الائتلاف، سالم المسلط، مع عدد من الشخصيات والوفود، من بينهم الأمين العام للجامعة العربية ووزير الخارجية القطري ونائب وزير الخارجية التركي، إضافةً للمدير العام لشؤون أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط في الأمم المتحدة، ونائب الأمين العام للشؤون السياسية في الاتحاد الأوروبي والمبعوث الدائم لكندا في الأمم المتحدة.
أما الوفد الكردي، الذي يضم قياديين يمثلون مكونات كردية وعربية وسريانية يمثلون "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، فقد أجرى لقاءات مع أعضاء ومسؤولين بارزين في الكونغرس؛ حيث أطلع أعضاءً في الكونغرس على آخر تطورات الأوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية في منطقة شمال وشرق سوريا.
وسط ذلك، ظهرت مؤشرات على رغبة أردنية لعودة سوريا إلى جامعة الدولة العربية؛ إذ يريد الأردن تهيأة المناخ عربيًّا لإفساح المجال أمام فتح الحدود مع سوريا لحل مشاكله الاقتصادية ولإزالة التوترات الأمنية على الحدود التي لا تزال تؤرق المسؤولين الأردنيين. كما باتت روسيا تدفع لفتح محادثات ثلاثية جديدة مع كل واشنطن و"تل أبيب" لإيجاد مقاربات جديدة لحل الأزمة السورية، وذلك بعدما طلبت من "إسرائيل"، التي أبدت تأييدها للمقترح الروسي، تشجيع أمريكا على الموافقة على إجراء محادثات ثلاثية رفيعة المستوى بشأن سوريا.
توازيًّا، أبدت مصر رغبة بتطوير العلاقات بالنظام السوري وعدم قصرها على التنسيق والتعاون الاستخباراتي والأمني، خاصةً في ظل ارتفاع مؤشرات التبادل التجاري بين البلدين، والتنسيق الأخير لمرور الغاز الطبيعي المصري المصدّر إلى لبنان عبر الأراضي السورية. وتعهدت القاهرة لموسكو ودمشق بالعمل على حل مشكلة العودة للجامعة العربية بأسرع وقت، من خلال التنسيق مع الإمارات ودول أخرى، وطرح بدائل يمكن اعتمادها كحلول وسط قبل العودة بالعضوية الكاملة، مع التأكيد على عدم قدرتها منفردة على حلحلة المسألة، لارتباطها في الأساس بإشكالية العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام، وفي المقام التالي ممانعة عدد من الدول العربية المهمة، والداعمة ماليًا وسياسيًا للجامعة، بشكل بارز حاليًا في تحقيق ذلك الآن.
وإثر المباحثات التي أجرها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في دمشق وموسكو وإسطنبول، لتهيئة الأرضية السياسية لعودة المعارضة والنظام للتفاوض حول "سلة الدستور" عبر "اللجنة الدستورية"، أعلنت الأمم المتحدة عودة المفاوضات وعقد جولة سادسة من أعمال "اللجنة الدستورية"، بصيغتها الضيقة "اللجنة المصغرة" بين المعارضة والنظام في جنيف في الـ18 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي. وأمام المحاولات الحثيثة لإعادة تأهيل النظام سياسيًّا، في ظل استمرار التراخي الأمريكي ومواقفها الملتبسه حيال هذه المحاولات، باتت الخيارات السياسي ضيقة أمام المعارضة السورية.
في غضون ذلك، حافظ الرئيسان التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، خلال القمة التي عقدت في مدينة سوتشي الروسية، على تفاهماتهما السابقة ("اتفاق موسكو" المبرم بينهما في آذار/ مارس 2020)، لجهة الأوضاع في الشمال الغربي من سوريا. ورغم التفاهمات بين الرئيسين لتطويق الخلافات ومنع توسعها وضبط إيقاع الصراع القائم، وتجنّب محافظة إدلب عمليات عسكريّة واسعة النطاق، إلّا أنّ هذه التفاهمات تبقى بلا مؤشرات واضحة حول كيفية تطبيقها على الأرض، لا سيما كيفية حل عقدة الطريق الدولي حلب اللاذقية "إم-4"، واستمرار قصف النظام لمناطق بجبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.
ومن الواضح أن الطرفين لم ينجحا في تجسير هوّة الخلاف بينهما حيال مصير إدلب ومحيطها، بسبب تعقيدات ميدانية، في ظلّ وجود أكثر من أربعة ملايين مدني هناك، يبدو أن المجتمع الدولي يحرص على تجنيبهم أي أعمال قتالية واسعة النطاق، لتفادي موجات هجرة كبيرة شبيهة بموجة عام 2015. ويبدو أن تركيا تربط الأوضاع في الشمال الغربي من سوريا بتلك في الشمال الشرقي منها، حيث تريد أنقرة تجاوبًا روسيًا أكبر حيال التعامل مع ملف "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
وتشير المعطيات إلى أن النظام السوري كان ينتظر ضغطًا روسيًا أكبر على تركيا، لتسهيل سيطرة قواته على ريف إدلب الجنوبي وجزء من الريف الغربي، لاستعادة السيطرة على الطريق الدولي "إم-4". وكان الأخير قد عزز وجوده العسكري جنوب هذا الطريق للتقدم على الأرض في منطقة جبل الزاوية ومحيطها، وكثّف من قصفه لمناطق متفرقة بريف إدلب الجنوبي. بالمقابل، استقدم الجيش التركي تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة وقام ببناء تحصينات عسكرية، فيما استهدفت المعارضة مواقع قوات النظام على خطوط التماس في تلك المنطقة. لكن نتائج القمة تشي بأن هذا الملف ربما يرحّل إلى جولة مقبلة من مسار أستانة، من المقرر أن تعقد قبل نهاية العام الحالي.
في شأنٍ آخر، واصل النظام السوري عمليات التسوية في حوض اليرموك غربي درعا وفي بلدة تسيل بريف درعا الغربي، للمنشقين والفارين من قوات النظام، إضافةً لتسليم السلاح الخفيف، تزامنًا مع دخول المزيد من قواته إلى المنطقة، والبدء بعمليات تفتيش وتثبيت مزيد من النقاط فيها بإشراف الشرطة العسكرية الروسية، بناءً على اتفاقات التسوية مع اللجان المركزية. وجاء استكمال العمليات بعيد اجتماع عُقد بين ضباط من اللجنة الأمنية التابعة للنظام بمدينة طفس، وعدد من أعضاء اللجان المركزية في المنطقة الغربية من درعا.
وكانت مدينة طفس انضمت إلى عمليات التسوية مع النظام، بعد اتفاق جرى التوصل إليه بين اللجنة المركزية عن المنطقة واللجنة الأمنية التابعة للنظام برعاية روسية. وكانت قوات النظام انتشرت في عدة نقاط على طول الحدود مع الجولان السوري المحتل، بعد دخول جل قرى وبلدات حوض اليرموك في اتفاق التسوية.
على صعيد منفصل، اهتز الشارع السوري الكردي على وقع تظاهرات غير مسبوقة دعت إليها قوى سياسية، احتجاجًا على الأوضاع المعيشية ورفع أسعار مواد وسلع رئيسية منها الخبز والمحروقات، من قبل "الإدارة الذاتية" التي يبدو أنها فوجئت باستجابة الشارع لهذه الدعوات التي تحمل في طياتها أبعادًا سياسية، مع تلاشي الآمال في نجاح الحوار الكردي-الكردي. وقد اعتدى مناصرون لحزب "الاتحاد الديمقراطي" على متظاهرين في مدينة القامشلي وفي بلدات أخرى في المحافظة، خرجوا استجابة لدعوة من "المجلس الوطني الكردي" و"المنظمة الآثورية الديمقراطية" وأحزاب ومكونات أخرى، للتنديد بالسياسات المتبعة من قبل "الاتحاد الديمقراطي" في العديد من القضايا المرتبطة بالمشهد السوري الكردي.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا