استنتاجات الموجز:
استعادة الحديث عن الإخفاقات الأمنية والعسكرية أمام "حماس" يكشف عن حالة الإحباط التي تعاني منها المؤسستين الأمنية والعسكرية في ضرب المشروع الاستراتيجي لحماس
القلق "الإسرائيلي" من عودة العمليات في الضفة يؤشر إلى تراجع القبضة الأمنية الإسرائيلية، بدليل نشوء خلايا مسلحة بمنأى عن عيون المخابرات "الإسرائيلية"
شهد الأسبوع الأول من أكتوبر تطورات أمنية وعسكرية "إسرائيلية" داخلية وخارجية، تعلقت أولاها بصدور اعترافات جديدة عن إخفاقات العدوان الأخير على غزة، لاسيما ما يتعلق بعملية "مترو حماس" الفاشلة، وصولا الى تصاعد العمليات المسلحة في الضفة الغربية، وتزايد القلق "الإسرائيلي" منها، وانتهاء بنشر قائمة بأهم التحديات والتهديدات الأمنية التي تواجه دولة الاحتلال، والإجراءات المتوقعة للتصدي لها.
بصورة لافتة، صدرت جملة تقارير "إسرائيلية" تتحدث عما اعتبرته إخفاقات أمنية وعسكرية وقع فيها جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية خلال العدوان الأخير على غزة، تمثل أهمها بالفشل في القضاء على ما أسمته "إسرائيل" "مترو حماس". وقد حملت هذه الاعترافات جملة من التداعيات على الجانب "الإسرائيلي"، لعل أهمها الشعور بالإحباط من عدم قدرة الجيش وأجهزة الاستخبارات على ضرب المشروع الاستراتيجي الذي عملت حماس على إنشائه وتقويته طوال السنوات الماضية، وهي الأنفاق الحدودية، التي شكلت منفذاً هاماً لتنفيذ العمليات الهجومية باتجاه الحدود الفلسطينية المحتلة شرق قطاع غزة. مع العلم أن المؤسستين الأمنية والعسكرية "الإسرائيليتين" روجتا قبل اندلاع الحرب على وجود خطة محكمة للقضاء على هذه الأنفاق، لكن النتائج المخيبة للآمال أثناء الحرب فتحت الباب واسعاً أمام كبار الكتاب والخبراء "الإسرائيليين" لانتقاد الجيش، بسبب إخفاقاته أمام "مترو حماس".
وقد اعتبر هذا الإخفاق الإسرائيلي في القضاء على "مترو حماس" انتكاسة عسكرية إسرائيلية، ومناسبة لتقوية حماس لمشروعها القتالي، مما سيضطر الجيش لإعادة النظر في خططه القتالية العسكرية، خاصة خلال المواجهات الحربية المتوقعة، على اعتبار أن حماس ستزيد من استثمارها العسكري في الأنفاق، لاسيما تلك الحدودية. في المقابل، تعتقد إسرائيل أن مشروع الأنفاق الذي يقع في صدارة اهتمام الجناح العسكري لحماس، سيكون محور المواجهة العسكرية القادمة، مما يزيد من الخطط الإسرائيلية المضادة له، سواء في تقوية الجدار الحدودي مع غزة، أو استهداف الأنفاق عبر وسائل عسكرية وقتالية جديدة، أو ملاحقة القائمين عليها، لأن بقاءها بصورة متنامية، يعني وضع مزيد من الصعوبات أمام الجيش الإسرائيلي.
على الصعيد الميداني في الضفة الغربية، تبدي أجهزة أمن الاحتلال قلقاً متزايداً من تنامي المقاومة، وزيادة عمليات خلاياها المسلحة، وتنفيذها لعدد من الهجمات المتفرقة، وما أسفر عنها من ارتقاء عدد من الشهداء، وإصابة بعض جنود الاحتلال وضباطه، خاصة في مدينتي القدس وجنين.
تحمل هذه التطورات دلالات ميدانية وعسكرية وأمنية، لعل أهمها أن المقاومة استطاعت أن "ترفع رأسها" في الضفة الغربية، رغم الملاحقات المكثفة من قبل أجهزة أمن الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وما تواجهه في سبيل ذلك من معاناة كبيرة أمام عناصرها، وهناك دلالة تتعلق بتراجع القبضة الأمنية الإسرائيلية على الضفة الغربية، بدليل نشوء خلايا مسلحة بمنأى عن عيون المخابرات الإسرائيلية، وهذا إخفاق أمني كبير، مع وجود دلالة ثالثة تتعلق بتزامن هذه الهجمات المسلحة مع حالة الغضب الفلسطينية الداخلية من السلطة وأجهزتها الأمنية.
بجانب هذه الدلالات، هناك جملة تداعيات على هذه الأحداث، تتصدرها أن "أيام الراحة الأمنية في الضفة الغربية ولت وانتهت"، بدليل وقوع جملة من الهجمات المسلحة في فترة زمنية قصيرة، جعلت واقع المستوطنين وجنود الاحتلال أقرب الى عدم الاستقرار، والخشية من الاستهداف المركز لهم.
وهناك تداعيات أخرى ترتبط بإمكانية عودة الواقع الأمني في الضفة الغربية الى ما كان عليه في سنوات سابقة، قبل اشتداد الضغط الأمني على المقاومة، فضلا عن نشوء حالة من التنسيق الميداني والعملياتي بين أذرع المقاومة في الضفة الغربية، على غرار الوضع القائم في قطاع غزة، بدليل الإعلان عن "غرفة العمليات المشتركة" لأجنحة الفصائل المسلحة في جنين.
أمام هذه الدلالات والتداعيات يمكن الإشارة الى جملة من النتائج المتوقعة، لعل أهمها عثور المقاومة على وسائل جديدة "إبداعية" تخلصها من سطوة الأمن الفلسطيني و"الإسرائيلي" عليها، سواء في إيجاد روابط تنظيمية غير تقليدية، يصعب تشخيصها بسرعة. وهناك نتيجة مرتبطة بتقديرات إسرائيلية عن زيادة النفوذ الذي باتت تحوزه قيادات المقاومة من خارج الضفة الغربية، في القدرة على التواصل مع كوادرها وأنصارها هناك، رغم أن البنية الحقيقية للمقاومة موجودة بالأساس في الضفة، التي تعتبر النبع الحقيقي لها منذ تسعينات القرن الماضي.
على الصعيد الإقليمي، ومع دخول السنة العبرية الجديدة، تحدثت المحافل الأمنية "الإسرائيلية" عن جبهة ممتدة من التهديدات الأمنية والعسكرية، التي تحيط بدولة الاحتلال، ووضع الخطط اللازمة للتصدي لها، ومحاولة تقليل مخاطرها المستقبلية. ويظهر السؤال على السطح مباشرة عند الحديث عن السبب في كشف إسرائيل لهذه التحديات الأمنية، ولعل الإجابة عنه تكمن في تشخيص مخاطر القلق الأمني الذي يواجه الاحتلال، لاسيما وأن الحديث لا يدور عن تهديد واحد أو اثنين، بل عن جملة مخاطر مجتمعة، تبدأ بإيران، مرورا بالعراق، وصولا الى لبنان وسوريا، وانتهاء بقطاع غزة والضفة الغربية.
بجانب الاستجابة العسكرية لهذه التهديدات من حيث التجهيزات القتالية، والتحضيرات التسلحية، وإجراء المناورات الميدانية على مدار الساعة، تبدي "إسرائيل" اهتماماً لافتاً بزيادة تنسيقها الأمني وتعاونها العسكري مع الدول المجاورة لها، لاسيما مصر والأردن، لحفظ حدودها المشتركة معهما، سواء من خلال تبادل المعلومات الأمنية الاستخبارية، أو الدوريات العسكرية.
أما على صعيد التهديدات البعيدة نسبياً من الناحية الجغرافية، فتواصل دولة الاحتلال سياستها المتمثلة باستراتيجية "المعركة بين الحروب" من جهة، والعمل على "توريط" القوى العظمى، لاسيما الولايات المتحدة معها من جهة أخرى، خاصة عند الحديث عن إيران وسوريا، ومحاولة الضغط عليها للموافقة على تفعيل الخيار العسكري ضدها، مع التخوف "الإسرائيلي" من العودة الأمريكية لإنجاز اتفاق نووي جديد مع طهران على غرار اتفاق 2015.
عند الحديث فيما يتعلق بالتقديرات الأمنية "الإسرائيلية"، وترجيح أي تهديد ماثل قد يخرج الى حيز التنفيذ، فإن جبهة غزة تبدو الأكثر إقلاقاً لها، رغم محاولات تسكينها عبر عدة إجراءات، في حين أن باقي الجبهات يمكن السيطرة عليها، أو التحكم في مسارها، على اعتبار نفي أي مصلحة لمختلف الأطراف بتدهور حالة التوتر الى مواجهة عسكرية مفتوحة ومباشرة.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا