استنتاجات الموجز:
تدل المؤشرات والتصعيد العسكري بشمال غرب سوريا بأنّ المنطقة باتت تستعد لسيناريوهات سيئة، ما يعني أن قمة أردوغان – بوتين لم تفرز تفاهمات استراتيجية حول مصير إدلب
استمرار قطار التسوية بدرعا ودخول مدن وبلدات جديدة بالريف الشمالي والغربي، يُدلل على خطوات إضافية باتجاه فرض سيطرة النظام الكاملة على المحافظة، بناءً على خريطة الحل الروسي
قفز الشمال الغربي من سوريا، مرة جديدة، إلى واجهة الأحداث العسكرية والسياسية، وعاد ليهمن على ما عداه من الأحداث على إثر التصعيد العسكري من قبل قوات النظام وروسيا على المنطقة، والتهديد بشن عملية عسكرية للسيطرة على الطريق الدولي "أم 4" الذي يبدو محلّ خلاف كبير بين أنقرة وموسكو، بالرغم من اتفاق الرئيسين التركي والروسي على الاستمرار بالتفاهمات السابقة لجهة ضبط إيقاع المنطقة وعدم الذهاب نحو عمليات عسكرية تؤدي إلى موجة هجرة جديدة. وتأتي تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التي دعا فيها تركيا لتسريع إنجاز "الهدف النهائي" في إدلب، وإنهاء ملف "هيئة تحرير الشام"، مبررًا لاستمرار التصعيد والتنصل من التفاهمات والإلتزامات مع تركيا حيال إدلب.
ولم تمض فترة طويلة على التفاهمات التركي الروسي حيال إدلب، حتى اتجه الشمال الغربي وفي مقدمته إدلب إلى مزيد من التعقيد على إثر تعثر تنفيذ الاتفاقات، بسبب الغموض الذي يكتنف معظم بنوده، كما وحضرت الرسائل العسكرية والسياسية باستخدام النيران في إدلب، إذ بدأ النظام يمهد عسكريًّا وإعلاميًّا لشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق بريف إدلب الجنوبي، بهدف استعادة السيطرة على طريق "أم 4"، بعدما عزز قواته هناك استعدادًا للعملية.
وشهدت إدلب تصعيدًا من جانب قوات النظام وروسيا، وأغار الطيران الحربي الروسي على سهل الغاب غربي حماة، فيما قصفت قوات النظام بالمدفعية والصواريخ مناطق متفرقة بريف إدلب الجنوبي والشمالي، ما تسبب بمقتل عدد من الأشخاص وإصابة آخرين بجروح، كما طاول القصف مدينة مدينة جسر الشغور بريف إدلب، التي يعتبرها الروس والنظام هدفًا استراتيجيًا قادمًا، لكونها تقع قرب الطريق "أم 4".
ويبدو أن فصائل المعارضة السورية تستعد لكل الاحتمالات، بما فيها المواجهة واسعة النطاق مع قوات النظام والمجموعات الإيرانية. وفي مقابل التعزيزات والتهديدات من قبل قوات النظام والجانب الروسي، قامت قوات المعارضة بتحصينات واستقدمت تعزيزات عسكرية لمواقعها على خطوط التماس مع قوات النظام، وأعدت الخطط الدفاعية والهجومية، كما أعدت مقاتليها للمواجهة من التدريب المستمر في معسكراتها بإدلب. فيما عزز الجيش التركي من نقاط تمركزه بريف إدلب الجنوبي، وقام بنشر عناصره في المنطقة، وأقام نقاط عسكرية جديدة، وعملت قواته على رفع كتل إسمنتية بمواجهة قوات النظام قرب خطوط التماس.
إلى ذلك، أعلنت عدة فصائل عسكرية بغرفة عمليات "عزم" الموحدة منضوية في "الجيش الوطني السوري" اندماجها الكامل في تشكيل عسكري جديد سُمِّي "ثائرون" في الشمال السوري. ويضم التشكيل الجديد كلًا من "فرقة السلطان مراد" و"فيلق الشام - قطاع الشمال" و"ثوار الشام" و"فرقة المنتصر بالله"، إضافة إلى "الفرقة الأولى" بمكوناتها "لواء الشمال" و"الفرقة التاسعة" و"اللواء 112". وجرى الاتفاق على تعيين قائد "فرقة السلطان مراد"، فهيم عيسى، قائدًا للتشكيل الجديد.
بموازاة ذلك، ما زال قطار التسويات بمحافظة درعا مستمرًا حتى وصل لريفها الغربي والشمالي، في خطوة إضافية باتجاه فرض السيطرة على كامل محافظة درعا، بناء على خريطة الحل الروسي، التي فُرضت مطلع شهر سبتمبر/أيلول الماضي. وانتقلت عمليات "التسوية" إلى مدينة جاسم، بعد الانتهاء من عملية مماثلة في مدينة نوى، كبرى مدن المحافظة، حيث دخلت قوات روسية مع اللجنة الأمنية التابعة للنظام إلى البلدة، وتمّ "إدراج أسماء 180 شخصًا للتسويات، مع تسليم 100 قطعة سلاح كانوا قد انشقوا بها عن قوات النظام. وشملت عمليات التسوية جميع المنشقين والمطلوبين أمنيًا ومن بحقهم "إذاعة بحث" لأي جهة أمنية، والذين لا يزال في حوزتهم سلاح.
وفي الأثناء، انضمت مدينة الصنمين بريف درعا الشمالي إلى عمليات التسوية، بعدما سلّم ضباط النظام وجهاء الصنمين قوائم بأسماء عشرات "المطلوبين" بهدف البدء بالتسوية وتسليم السلاح. وتأتي تسوية الصنمين بعد البدء بتسوية أوضاع المنشقين عن قوات النظام والمتخلفين عن الخدمة العسكرية في مدينة إنخل بحضور وجهاء المدن ولجنة النظام الأمنية. وقضى اتفاق إنخل بتسليم قطعة سلاح عن كل ثلاثة مطلوبين في المدينة، بمن فيهم مجموعة "اللواء الثامن" التابعة لـ"الفيلق الخامس"، ومجموعة فرع أمن الدولة من أبناء المدينة، إضافة إلى إجراء تسويات للمطلوبين والمنشقين والمتخلفين عن التجنيد الإجباري، وإجراء عمليات تفتيش شكلية في بعض المنازل، بحضور الشرطة الروسية.
وعلى الرغم من استمرار التسويات، إلّا أنّ التوتر عاد إلى درعا على إثر خرق النظام للضمانات الروسية لتسويات درعا، بعدما قامت قوات النظام بقصف مدينة جاسم بالمدفعية الثقيلة ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى بين المدنيين، كما اعتقلت قوات النظام السوري عشرات الأشخاص خلال عمليات تمشيط قامت بها بريف درعا، بينما قتل شخص في بلدة المزيريب بهجوم مسلح من مجهولين. بالمقابل، قتل ضابطان من قوات النظام بهجوم نفذه مسلحون مجهولون في درعا. فيما ألقى "اللواء الثامن" القبض في الريف الشرقي على خلية اغتيالات تابعة للنظام.
في خضم ذلك، شنّ تنظيم "داعش" هجومًا عنيفًا من ثلاثة محاور ونصب كمائن ضد مواقع وأرتال قوات النظام والمجموعات المساعدة له في بادية الرصافة، ما أدلى لمقتل أكثر من عشرة أشخاص بينهم ضابط برتبة نقيب وجرح آخرون، وذلك أثناء تمشيط قوات النظام للبادية. بالمقابل، شنت الطائرات الحربية الروسية 12 غارة جوية مستخدمةً صواريخ شديدة الانفجار، حيث تركزت جميعها على بادية الرصافة في محيط موقع الهجوم، فيما أرسلت المجمووعات المرتبطة بروسيا تعزيزات إلى المنطقة، وسط توارد أنباء عن وقوع مجموعة من عناصر التنظيم بين قتل وجريح.
وفي شأنٍ منفصل، يتجه "الحرس الثوري" الإيراني إلى إجراء تغييرات في تموضع مجموعاته في شرق سوريا، لتفادي الضربات الجوية من طيران التحالف الدولي، حيث شهدت البوكمال انسحابًا للمجموعات الإيرانية من عدة مواقع من الريف الجنوبي باتجاه المدينة. ونشرت المجموعات الإيرانية صواريخ بعيدة المدى على طول نهر الفرات، مقابل قواعد تابعة للتحالف الدولي شمال النهر، سواء في منطقة الباغوز أو حقلي التنك والعمر للبترول. توازيًّا، فتحت المجموعات الإيرانية في محافظة دير الزور باب الانتساب إليها أمام شبان سوريين من بلدات وقرى ذاك الريف، مقابل 200 دولار أمريكي كراتب شهري لكل منتسب جديد، وتقديم الحماية من الملاحقات الأمنية من أجهزة النظام وإن كان من ضمن المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياط في قوات النظام.
وفي الشأن السياسي، يتجه الأردن بخطى متسارعة نحو إعادة العلاقات تدريجيًا مع النظام السوري، إذ تلقى الملك الأردني، عبدالله الثاني، اتصالًا هاتفيًا من رئيس النظام السوري، بشار الأسد، تناول العلاقات بين البلدين وسبل تعزيز التعاون بينهما، وأكد ملك الأردن، دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها. وكان وزراء الدولتين قد عقدوا اجتماعات وانتهت بلقاء رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، وفدًا وزاريًا من النظام السوري، ضم وزراء الاقتصاد والتجارة الخارجية، والموارد المائية، والزراعة والإصلاح الزراعي، والكهرباء، وذلك لتعزيز التعاون الاقتصادي في مختلف القطاعات بين الطرفين. هذا، وكان الأردن قد أعاد فتح "معبر جابر/نصيب" الحدودي مع سوريا أمام حركة الشحن والمسافرين تنفيذًا لقرار سابق لوزارة الداخلية، وفق إجراءات فنية ولوجستية.