استنتاجات الموجز:
"إسرائيل" تصنف مؤسسات أهلية فلسطينية على أنها إرهابية لكتم أي صوت يسعى لفضح جرائم الاحتلال مقابل "إجراءات تسهيلية" في غزة لتسكين جبهة القطاع والتفرغ لجبهات أكثر اشتعالًا
استعدادات كبيرة "للشرطة الإسرائيلية" لمواجهة الجريمة داخل الـ48 تحسبًا لوصول المقاومة لصفوف الشبان واستخدام السلاح لأغراض "قومية معادية"
إسرائيل "الرسمية" تتكتم على كشف تركيا شبكة تجسس تابعة "للموساد" حتى لا تتحمل مسؤوليتها وسط حديث عن إمكانية وصول وفد أمني "إسرائيلي" لأنقرة لتطويق تبعات العملية بعيدًا عن الإعلام
شهد الأسبوع الماضي سلسلة تطورات أمنية "إسرائيلية" لافتة، بدأت بقرار تصنيف عدة مؤسسات حقوقية فلسطينية بأنها "إرهابية"، في خطوة خطيرة وغير مسبوقة بهذا العدد دفعة واحدة، بجانب حالة التكتم الرسمي "الإسرائيلية" حول كشف تركيا لشبكة تجسس على أراضيها تعمل لصالح جهاز "الموساد"، وما قد يتركه ذلك على صعيد ترميم علاقاتهما، بجانب حملة ميدانية لشرطة الاحتلال وأجهزته الأمنية لزيادة معدلات الجريمة ونشاط المافيا فيها، وصولًا إلى اتخاذ جملة قرارات ذات طابع تسهيلي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحقيقة المرامي "الإسرائيلية" خلفها.
في التفاصيل، صنّف وزير الأمن "الإسرائيلي"، بيني غانتس، ستّ مؤسسات فلسطينية بأنها "إرهابية"، بزعم ارتباطها بـالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأنها حصلت منذ 2014 على 200 مليون يورو. وهو إجراء تعسفي لم يتخذ مثله خلال السنوات الماضية بهذه الكثافة مرة واحدة، مع العلم أن المؤسسات تعمل في مجال توثيق انتهاكات حقوق الفلسطينيين من قبل الاحتلال، وترسل تقاريرها الدورية للمؤسسات الدولية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
في الشأن ذاته، فإن التصنيف "الإسرائيلي" لهذه المؤسسات، فضلًا عن كونه مجافيًا للحقائق ومنافيًا للواقع على الأرض لعدم ارتباط هذه المؤسسات بتنظيمات فلسطينية مسلحة، إلا أنه يهدف لكتم كل صوت يسعى لفضح جرائم الاحتلال، لأن هذه المؤسسات تسهم بصورة كبيرة في نشر المظلومية الفلسطينية حول العالم بعكس ما يريده الاحتلال. كما يعتبر القرار محاولة "إسرائيلية" لا تخطئها العين لحرمان الفلسطينيين من أي تواصل مع العالم، سواءً على الجانب السياسي أو الإعلامي أو الحقوقي، أو الحصول على الدعم والتمويل اللازم لعمل المؤسسات الحقوقية.
بالمقابل، تسبب القرار في ردود فعل دولية غاضبة، لاسيما غربية؛ أمريكية وأوروبية، ولهذا الغرض أرسلت تل أبيب مبعوثًا خاصًا بزعم امتلاكه معلومات استخبارية لإقناع واشنطن بصواب قرارها. كما أثار القرار تباينات داخل الحكومة "الإسرائيلية" ذاتها، ورغم ذلك فليس من المتوقع أن يرتدع الاحتلال عن إجراءاته القمعية هذه تجاه المجتمع المدني الفلسطيني، لأنه يعتبره رديفًا لمنظمات المقاومة، وداعما لها من خلال الدفاع عن معتقليها لدى الاحتلال، ومحاولة كبح جماح انتهاكاته ضد الفلسطينيين.
داخليًا، وعلى الصعيد الأمني، شهد هذا الأسبوع سلسلة أحداث ميدانية جنائية تمثلت في زيادة جرائم القتل بين صفوف المافيا في تل أبيب، ما دفع الشرطة "الإسرائيلية" لمزيد من الاستعداد لمواجهة اغتيالات الجريمة وتعزيز قواتها، لأنه منذ بداية عام 2021 شهد الوسط العربي 104 جريمة قتل، ويتوقع أن يكون هذا العام الأكثر دموية. من جهته، أعلن وزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، أن الهدف حتى نهاية 2022 تقليص عدد الجرائم بنسبة 10%، فيما طرح رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، خطة خمسية بتكلفة ستة مليارات شيكل سنويًا، لتطوير المرافق الاقتصادية والخدمات الصحية لمكافحة الجريمة بين العرب.
في هذا الإطار، قد يبدو لافتًا هذا التداعي "الإسرائيلي" لمواجهة انتشار الجريمة بين فلسطينيي48، وهي التي بدأت منذ سنوات طويلة وعكفت أجهزة الأمن والجهات الحكومية على غض الظرف عنها، وكانت تشجعها أحيانًا لبث الفرقة والخلاف بينهم، وإشغالهم عن الهم الوطني العام بمشاكل داخلية كالمخدرات والجريمة والثارات العائلية. لكن استخدام بعض السلاح الداخلي في أحداث مايو بين العرب واليهود خلال هبة الأقصى وحرب غزة، أشعل الأضواء الحمراء داخل دولة الاحتلال، ودفعها لوضع سيناريو كابوس يتمثل بإمكانية استخدام هذا السلاح لأغراض "قومية معادية".
يذكر أن المدن الفلسطينية المحتلة في الداخل تشهد انتشارًا كثيفًا للسلاح بمختلف أشكاله، ولذلك قد تَشْرع أجهزة أمن الاحتلال في حملة لجمعه، وإعداد قوائم خاصة بالاعتقالات والاستدعاءات، وزيادة مراكز الشرطة وتفعيل عمل المخبرين، ومحاولة إدماج فلسطينيي48 بالمجتمع "الإسرائيلي من خلال زيادة الوظائف والخدمات البلدية، وتحييد الأصوات الوطنية بين صفوفهم لصالح الداعين للاندماج في دولة الاحتلال، دون توفر ضمانات كافية بتوقف هذه الجريمة بمعدلات مرضية.
على صعيد العلاقة مع الفلسطينيين وتزامنًا مع بعضهما، أعلنت الإدارة المدنية "الإسرائيلية" في الضفة الغربية وقطاع غزة عن "إجراءات تسهيلية" للفلسطينيين؛ أولها زيادة حصة تجار غزة الذين يمرون عبر معبر إيريز بمقدار 3000 تاجر، ليصبح العدد الإجمالي 10 آلاف تاجر. جاء ذلك بموجب قرار سياسي بعد تقييم أمني بشأن الموضوع، يشمل اشتراط هذه التسهيلات باستمرار الهدوء الأمني. وثانيها الموافقة للمرة الأولى منذ عقد على تسوية الوضع القانوني لـ 4000 فلسطيني لتعزيز الإجراءات المدنية والاقتصادية في الضفة الغربية؛ 1200 منهم سيحصلون على بطاقة هوية فلسطينية، ويسمح لهم بالعمل في "إسرائيل"، وتغيير عنوان 2800 فلسطيني من سكان غزة الذين غادروها قبل انسحاب 2005.
من ناحية أخرى، يصعب قراءة هذا التزامن في إصدار هذه القرارات "الإسرائيلية" بصورة عفوية؛ حيث تأتي في سياق تهدئة الجبهة الجنوبية مع غزة، والحيلولة دون اندلاع مواجهة عسكرية مع حركة "حماس" هناك، ومحاولة امتصاص غضب الفلسطينيين الذين يعانون ظروفًا معيشية قاهرة، وكل ذلك بغرض تسكين هذه الجبهة تفرغًا لجبهات أكثر اشتعالًا، لاسيما مع إيران ولبنان وسوريا. وربما يسهم القرار الخاص بغزة في زيادة حركة العمالة الفلسطينية من خلال التجار، ورفع معدلات التصدير والاستيراد بين القطاع والاحتلال، لاسيما في ضوء تكدس البضائع في الشهور الأخيرة دون تصدير بصورة متعمدة من الاحتلال للضغط على المقاومة، وما نتج عن ذلك من خسائر فلسطينية باهظة. هذا، فضلًا عن إقامة شبكة علاقات بين تجار غزة والضفة الغربية لرفع مستويات التنسيق الاقتصادي والتجاري بين الجانبين، على اعتبار أن غزة تعتبر سوقًا استهلاكية للبضائع الواردة من الضفة والاحتلال.
أما قرار الضفة، فقد بقي مجمدًا في أدراج وزارة الحرب "الإسرائيلية" طيلة عقد كامل، إلى أن تغيرت الحكومة وبدأت الضغوط الأمريكية تؤتي أكلها بالشروع في تحسين الواقع الإنساني في الضفة، باعتبارها بادرة حسن نية تجاه السلطة الفلسطينية ومقدمةً للدخول في حوار سياسي معها، متى أمكن ذلك حتى لو تأخر بعض الوقت. لكن مثل هذه القرارات تلقى ردود فعل إيجابية في أوساطها، وفق الرؤية الأمريكية، وتعتبر كفيلة بإذابة جبل الجليد الناشئ بينهما منذ 2014.
لكن رغم ذلك، ليس من المتوقع أن تواصل سلطات الاحتلال إصدار مثل هذه القرارات؛ لأنها قد تسهم في تغيير الميزان الديموغرافي لصالح الفلسطينيين، وهو ما تراه خطرًا عليها على المدى البعيد. لكن رؤية واشنطن ترافقت مع توجه وزير الحرب، بيني غانتس، الذي يسعى لمد جسور التواصل مع السلطة الفلسطينية، سواء لإيمانه بإنشاء عملية سياسية معها، أو تمهيدًا لتمييز نفسه عن رئيسه "بينيت" الرافض لأي حوار معها.
خارجيًا، تكتمت إسرائيل "الرسمية" على كشف تركيا لشبكة تجسس تابعة لجهاز "الموساد" على أراضيها، فيما توسعت صحفها في نقل ورصد كل ما تحدثت عنه وسائل الإعلام التركية من تفاصيل تلك الشبكة. وكان لافتًا حديث نائب رئيس "الموساد" السابق ورئيس لجنة الخارجية والأمن بالكنيست، رام بن باراك، أن التقارير التركية مبالغ فيها، بزعم أن المعتقلين ليسوا "إسرائيليين".
ولم يكن متوقعًا أن تكشف "إسرائيل" عن أساليب عمل "الموساد" الخارجية، لكن المتوقع كان أن تنفي وجود هذه الشبكة، وبالتالي فإن صمتها يعني أن هناك شيئًا ما حقيقيًا كان يقوم به الجهاز على الأراضي التركية. ويبقى التقييم بالنسبة لهذا العمل، صغيرًا كان أو كبيرًا مباشرًا أو بالوكالة، الأمر الذي يؤكد وجود مصداقية جدية للتقارير التركية.
في الوقت ذاته، وفي ضوء ما كشفت عنه المصادر التركية، فإن أنقرة أصبحت منذ زمن بعيد، وتزايدت في الآونة الأخيرة، في كونها محط أنظار "الموسا"د، لأنها تحولت في السنوات الماضية إلى قبلة لمعظم النشطاء السياسيين حول العالم، ومنهم أعداء "إسرائيل"، ما يدفعها لزيادة مراقبتها لهم وجمع المعلومات عنهم، ربما تحضيرًا لقيامها بسلوك عدواني ما شبيه بما في حصل في دول أخرى عند استهدافها لهم، ما يستدعي منهم مزيدًا من الحذر في الاتصال والتنقل، لأنهم باتوا تحت الرادار "الإسرائيلي".
في هذا الملف أيضًا، من المتوقع أن تبقى "حرب الظلال" بين تركيا و"إسرائيل" قائمة في المجال الأمني والاستخباري، وربما تهدأ قليلًا بعد كشف هذه الشبكة. لكن دولة الاحتلال الأمنية لا تستطيع التوقف عن أنشطتها التخريبية داخل الدول المجاورة، في حين أن ذلك سيترك تأثيره النسبي على الجهود الجارية لترميم العلاقة بينهما، وهي التي تشهد توترًا منذ 2010 رغم بعض المحاولات الجارية للعودة بها لما كانت عليه قبل ذلك التاريخ.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا