استنتاجات الموجز:
قضايا الهوية والثقافة المحافظة للمجتمع الأردني تتجه بالعلاقة بين الحكومة والإسلاميين لحالة اتهام وشد رغم حالة التناغم الحذر التي سادت بينهما مؤخرًا
حالة من الإحباط وانعدام الثقة تزداد تفاقمًا بين الشارع ومؤسسات الدولة بينها القضاء، زادها اشتعالًا إدارج الأردن على قائمة الإخفاق في مواجهة "غسيل الأموال"
شكّلت النتائج التي قدمها مركز الدراسات الاستراتيجية (حكومي)، بعد جولة استطلاع علمية، مفاجأة انشغل بها سياسيون وحزبيون ومقربون من صانع القرار، حيث تبدو الأرقام الإحصائية ربكة للغاية، ولا بد من التوقف عندها مليًا وبعمق، ملخصها متعلق ومشتبك مع حافة تراجع حاد للثقة بين غالبية مؤسسات الدولة والناس.
عمليًا، وفي خطوة متقدمة في الشفافية البحثية تسجل لمركز الدراسات الاستراتيجية، تقول الأرقام ما لم تقله سابقًا؛ حيث تُظهر بوضوح أن نصف الأردنيين على الأقل في العينة المنتقاة لا يثقون بقدرة الحكومة الحالية، بينما كان الأكثر إثارةً للصدمة هو أن البيانات الرقمية تظهر انعدام الأمل في احتواء الأزمة الاقتصادية عند غالبية ساحقة من الأردنيين. لكن الصدمة اللافتة الأخرى كانت بتراجع الثقة العامة في الجهاز القضائي؛ حيث خسر الجهاز نسبة تراجع بالثقة بلغت 12% الأمر الذي يعكس وضعًا قلقًا؛ فطالما بقيت مسألة القضاء حساسة لكن الحديث عنها في استطلاعات الرأي يعد أمرًا غير مسبوق.
في سياق قريب، لا تزال أسئلة الأردنيين مستمرة من الهدف وراء التعديل الحكومي الأخير، وهل سيحقق الغرض عندما يتعلق الأمر بخريطة تقييم أداء الوزراء في حكومة "الخصاونة"؟ اللافت أن مستوى التساؤلات في الشارع ارتفع بشكل ملحوظ في مواجهة الحكومة، حتى قبل تمكين الوزراء الجدد من تلمس مقاعدهم. وما يبدو عليه الأمر بخصوص هيكلة الوزارة الآن هو أن حكومة "الخصاونة" حظيت بفرصة للبقاء لفترة أطول، ما يعني عدم وجود بديل في ذهن صانع القرار حال اتخذ خيار التعديل سياسيًا، رغم عدم رضى الشارع عن سياساتها.
في سياق حرية الرأي والتعبير، انشغلت منصات الأردنيين المختلفة في تناول قصة الناشط المعتقل، كميل الزعبي، بسبب منشور ادّعى فيه أن زوجة رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، حصلت على أموال عبر استغلال منصب زوجها وأنها تتقاضى آلاف الدنانير من مؤسسات رسمية. وهو ما دفع زوجها "رئيس الحكومة" إلى رفع دعوى تحت عنوان "الضرر النفسي والمعنوي وتضمين أخبار كاذبة".
وقد ألهبت القصة بتفاصيلها مواقع التواصل بعد معلومات تحدثت عن تحويل قضية "الزعبي" لأمن الدولة تحت بند إثارة الفتنة؛ حيث وجه العديد من الناشطين انتقادات ضد قانون الجرائم الإلكترونية، الذي اعتبروه خرقًا واضحًا للحريات، وأنه أصبح حبلًا ملتفًا على رقابهم، بعد تكرار الاستدعاءات والتوقيفات بحق أصحاب الرأي، فيما أطلق مواطنون وسياسيون وصحافيون هاشتاج “# الحرية_ لـ كميل_الزعبي” على "فيسبوك".
من جهة أخرى، قال "مركز حماية وحرية الصحافيين" (حقوقي متخصص) إن القوانين في الأردن أصبحت تشكل قيودًا بالغة على حرية التعبير. وبحسب أحدث تقرير صادر عن المركز الذي استعرض حرية التعبير على الإنترنت، فإن "حرية التعبير على الإنترنت في المملكة عبارة عن فضاءات مُغلقة"، فيما أشار المركز إلى أن عدد القضايا التي سُجلت استنادًا لقانون الجرائم الإلكترونية والمتعلقة بحرية الرأي والتعبير عام 2019 بلغ 982 قضية، صدرت بمقتضاها 433 مذكرة توقيف، في حين ارتفع مجمل قضايا الجرائم الإلكترونية المسجلة في الأردن بمقدار ألفي قضية مقارنةً بين عامي 2019 و2020، إذ وصل عدد قضايا الجرائم الإلكترونية خلال عام 2020 إلى تسعة آلاف و500 قضية.
غير بعيد عن حالة النقد والغضب بين الحاكم والمحكوم، لجأت الحكومة في توقيت خاطىء وسيىء تمامًا للحديث عن طلباتها وحاجتها لملء فراغ تعيينات لوظائف كبيرة. وجاء التوقيت وسط إعلان برفع أسعار المحروقات لمستويات غير مسبوقة، ووسط واقع معيشي معقد ما زال يعاني من إرهاصات فيروس "كورونا". هذا، إلى جانب بدء نذر مواجهة ساخنة مع الإسلاميين حول مضامين الهوية الوطنية والدينية للشعب الأردني، فضلًا عن العاصفة التي أحدثتها وثائق "باندورا" وما ترتب عليها من اتهامات للملك بالثراء الفاحش.
وبدأت التعيينات مثار الجدل مع تعين وتشكيل مجلس إدارة المؤسسة العامة للتلفزيون، وتعيين وتشكيل مجلس إدارة تلفزيون "المملكة" التابع للدولة، سبقتها تعيينات أخرى هي تعيينات وقعت تحت رادار الشعب الأردني وبعيدًا، كما يتهم نشطاء وسياسيون وحزبيون، عن الشفافية وتكافؤ الفرص وخضوعها بصورة شبه كاملة للمحسوبية.
بالمقابل، ووسط حالة انعدام الثقة بمؤسسات الدولة وسعي الحكومة لتحسين الاقتصاد، انفجرت بوجه صانع القرار قنبلة إدراج "مجموعة العمل المالي الدولية" "FATF" الأردن في القوائم الرمادية، على خلفية "إخفاقه في التصدي لغسل الأموال وتمويل الإرهاب". وهذا ما ترك أسئلة عميقة عن مستقبل المساعدات الدولية والاستثمارات الأجنبية في البلاد، إلى جانب تعزبز شكوك الشارع بما قيل ونشر عن تسهيل عمليات غسيل أموال بالأردن بعلم وغطاء صانع القرار.
في سياق مرتبط بفيروس "كورونا"، كان الأردنيون مع موجة نقد شديدة طيلة الأسبوع الماضي؛ حين امتنعت الحكومة عن تقديم شرح مقنع للرأي العام يسهم في إخماد حملة الانتقادات، بخصوص الجدل المتعلق بازدواجية الإجراء الرسمي عندما يتعلق الأمر بمتطلبات الوقاية الصحية. ولا يزال الجدل مستمرًا، إذ يلاحظ ن يراقب منصات المجتمع الأردني وتفاعلاته بوضوح أن النقاش الشعبي، بخصوص ازدواجية معايير تطبيق أوامر الدفاع والوقاية الصحية عند الجهات الرسمية، مسألة تنمو وتزحف وباقية وتتمدد.
فقد يكون هذا الأمر من الظواهر النادرة التي عبرت للأسبوع الثاني على التوالي، وسط حالة نقاش جدلية على منصات التواصل؛ فالإخفاق الحكومي واضح ومباشر في تفسير وشرح تلك المقاربة التي اعتمدت عليها الحكومة، وهي تعلن أن التباعد في المساجد سيستمر وأنه ضروري. بالمقابل، ستتواصل الحفلات الغنائية والمهرجانات الفنية لأنها أيضًا تسهم في مساعدة القطاع السياحي المتضرر بقوة، مع صمت وزارة الأوقاف على الجدل المتعلق بالإصرار على تطبيقات التباعد الجسدي ومتطلبات "كورونا" داخل المساجد.
في الشأن ذاته، كان لافتًا إخفاق الحكومة في تقديم مقاربة مقنعة للجمهور، بينما زاد الأمر غرابة حديث وزير الصحة أن الحفلات الفنية ليست المصدر في رفع نسب الإصابة بالمملكة، مشيرًا إلى أن نسبة معقولة من الإصابات ظهرت في المدارس بعد استئناف العام الدراسي، بمعنى أن "الفيروس يتحرك فقط في المدارس دون الحفلات الغنائية"، على حد حديث الأردنيين.
إلى ذلك، استذكر نشطاء وأحزاب سياسية الذكرى الـ27 لإعلان توقيع الأردن والاحتلال معاهدة بينهما، في الـ26 تشرين الأول/ أكتوبر 1994، وسط استمرار كبير لرفض الشعب الأردني للتطبيع مع الاحتلال. وأكد النشطاء عبر مواقع التواصل أن الاتفاقية فرطت في الحقوق المائية للأردن، وأن ما تعيشه المملكة الآن من أزمة مائية بسبب تلك الاتفاقية، مشيرين إلى أن الاتفاقية لم تجلب للأردن سوى المزيد من التراجع ورهن قطاعاته الحيوية بيد الاحتلال.
في سياق محلي على علاقة بالأوضاع المعيشية، أظهرت تصريحات وتقارير رسمية تزايد حالات الانتحار بشكل ملحوظ، في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة ومعدلات عالية للبطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي. فقد أعلن المركز الوطني لحقوق الإنسان، في تقريره السنوي الـ17، عن ارتفاع حالات الانتحار لعام 2020 بواقع 140 حالة، مقارنةً مع 116 حالة في 2019، مرجِعًا هذه الإحصائية إلى كتاب رسمي لمديرية الأمن العام.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا