استنتاجات الموجز:
تهديد تركيا بعملية عسكرية بشمال شرق سوريا هدفه تحسين شروط التفاوض والضغط على الأطراف الدولية لتنفيذ تفاهمات سحب "قسد" من المناطق الحدودية
التطوّرات الأمنية بدرعا تشي بأنّ سيطرة قوات النظام لم تغيّر من واقع الحال شيئًا ولم تستقر الأوضاع الأمنية، ما يهدد باستمرار الفوضى والفلتان الأمني
تدل الضربات العسكرية المتلاحقة بأنّ "إسرائيل" عززت تفاهمات غير معلنة مع روسيا باستمرار استهداف التواجد الإيراني بسوريا
ينتظر الشمال الشرقي والغربي من سوريا تقدمًا في التفاهمات الدولية والإقليمية لتطبيق التوافقات السابقة، المتعلقة بسحب عناصر الوحدات الكردية ومقاتلي "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من المناطق المتفق عليها بين تركيا وروسيا وأمريكا، وذلك لإبعاد شبح الحرب والعمليات العسكرية التي هددت بها أنقرة ضد التواجد الكردي، وإبعاد "قسد" عن الحدود التركية مسافة 30كلم، إضافةً لتهديدات النظام وروسيا بالتحضير لعملية عسكرية للسيطرة على الطريق الدولي "إم-4" في إدلب.
ومع تضارب الأنباء حول العملية العسكرية التركية التي تستهدف "قسد"، فإنّ هذه العملية لن تبدأ على ما يبدو قبل حصول توافقات دولية حولها، كونها تضم كل الفاعلين الدوليين والإقليميين في الجغرافيا السورية. ورغم المشهد الضبابي، تبدو كل الاحتمالات واردة؛ بعدما أكّد قادة بفصائل المعارضة السورية المرتبطة بالجيش التركي أنّها جاهزة لساعة الصفر، وللبدء في عمل عسكري ضد "قسد" في أي منطقة، إما في "تل رفعت" غربي نهر الفرات، أو بلدتي "عين عيسى" أو "تل تمر" شرقي النهر. ولتوجيه رسائل عسكرية، قامت "الجبهة السورية للتحرير" باستعراض عسكري بريف حلب الشمالي، لتؤكد جاهزية المعارضة للمعركة المقبلة.
توازيًّا، يحاول النظام أن يكون له دور عسكري وأن يكون طرفًا فاعلًا في الشمال الشرقي، حيث أكّد أن قواته لن تقف متفرجه في حال توغل الجيش التركي داخل الأراضي السورية، وقام بإرسال تعزيزات عسكرية ونقل عشرات الجنود من قواته إلى "عين عيسى" و"تل تمر". كما إنّ إصرار قوات الجو الروسية على إجراء مناورات وتدريبات عسكرية جوية وبرية وبالذخيرة الحيّة، في "تل تمر" و"عين عيسى"، دليل على تمسكها بالمنطقتين الاستراتيجيتين الواقعتين على عقدة طرق في طريق "إم-4 الدولي"، وهي رسائل عسكرية واضحة على أن موسكو تعارض أي تحرك عسكري تركي خارج التفاهمات المبرمة سابقًا. وكان الجانب الروسي أجرى مناورات بالذخيرة الحيّة مع قوات النظام بريف الحسكة، ولاحقًا مع قوات "قسد" التي نفت دخول قوات النظام لمناطق نفوذها، على قرب من خطوط التماس مع فصائل المعارضة شرقي الفرات.
إلى ذلك، وتحضيرًا منها للعملية العسكرية التركية، عقدت قيادة "قسد" و"حزب العمال الكردستاني" اجتماعًا في الرقة تطرق للعملية العسكرية، خلص إلى مطالبة القوات الروسية بزيادة وجود قوات النظام على خطوط التماس مع مناطق سيطرة "الجيش الوطني" والقوات التركية. وأكّدت مصادر وجود اتفاق بين "الإدارة الذاتية" والنظام السوري وروسيا لإعادة انتشار قوات النظام في مناطق سيطرة "قسد" بمنطقة الجزيرة، كاشفةً عن وجود مسودة وثيقة لحل الخلافات الموجودة بين "الإدارة الذاتية" والنظام، بهدف التنسيق المشترك لصد أي هجوم تركي باتجاه مناطق سيطرة "قسد".
في السياق ذاته، نفّذت قوات تابعة للتحالف الدولي عملية إنزال جوي سريعة ومفاجئة، في مناطق النفوذ التركي بناحية "رأس العين" بريف الحسكة الشمالي، جرى خلالها اعتقال ستة أشخاص واقتيادهم إلى قواعد التحالف في الحسكة. وتضاربت الأنباء بين انتمائهم لتنظيم "داعش" وعملهم كمخبرين لفائدة التحالف الذي تقوده واشنطن، علمًا أنّ تركيا كانت تلاحق خلية تجسس ضدها في تلك المنطقة.
ميدانيًّا، اندلعت اشتباكات عنيفة بين "الجيش الوطني السوري" والقوات التركية من جهة، و"قسد" من طرف آخر في محيط "عين عيسى" شمال الرقة، سُيِّرَت خلالها طائرات استطلاع تركية فوق مناطق الاشتباكات، كما اندلعت اشتباكات محدودة بين الجانبين بريف حلب الشرقي، بعد أن كان الجانبان قد تبادلا القصف المدفعي على محاور "كفر كلبين" بريف حلب الشمالي. كما قامت "قسد" بحفر الخنادق والأنفاق بين "تل تمر" و"عين عيسى"، واستقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى تلك المنطقة، وعمدت إلى منع الإجازات والتشديد على العناصر بضرورة رفع الأعلام الروسية في العديد من المناطق المهددة بالعملية التركية.
ويتزامن التصعيد في الشمال الشرقي مع تصعيد في مناطق الشمال الغربي بين قوات النظام وفصائل المعارضة، بعدما تعرضت مناطق متفرقة من ريف إدلب الجنوبي والشمالي، إضافةً لريف حلب الغربي، لقصف بالمدفعية الثقيلة من جانب قوات النظام والمجموعات المساندة له، وسط تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الروسية والإيرانية، ما أوقع أضرارًا مادية كبيرة في ممتلكات المدنيين دون وقوع أضرار بشرية. يذكر أن قوات النظام قصفت بأكثر من 40 قذيفة مناطق بسهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، دون وقوع خسائر بشرية، وذلك بعد مقتل عنصر من قوات النظام في ناحية جورين جراء قصف لفصائل المعارضة.
من جهتها، دفعت تركيا بتعزيزات من الفيلق الثالث إلى قواعد الجيش التركي الرئيسية في إدلب، وبدأت نشر تلك القوات على نقاطها المتقدمة في جبل الزاوية وجنوب إدلب، مع تعزيزها بالأسلحة الثقيلة. بالمقابل، عزّز كل من قوات النظام والمجموعات المدعومة من روسيا وإيران حضورهم على خطوط التماس جنوب إدلب، واستقدمت قوات النظام مئات الجنود ودبابات وأسلحة ثقيلة ومتوسطة.
في شأنٍ منفصل، استطاعت "هيئة تحرير الشام" نشر قواتها العسكرية بشكلٍ كامل على جبهة "جبل التركمان" شرق اللاذقية، وبسط سيطرتها على جميع المقرات العسكرية ومصادرة كافة المعدات العسكرية والأسلحة. جاء ذلك بعد القضاء على جماعة "جند الله" التي يقودها "أبو حنيفة الأذري"، وإبعاد جماعة "جنود الشام" التي يقودها "مسلم الشيشاني" عن المنطقة من خلال اتفاق أُبرم بين الهيئة وقائد الجماعة. وتضاربت الأنباء حول قائد جماعة "جند الله"، حيث لفتت مصادر بـ"الهيئة" إلى أنها تمكنت من قتل "أبو حنيفة" قائد الجماعة و"أبو حذيفة الأذري" القائد العسكري لها، إضافةً لاعتقال تسعة قياديين غالبيتهم أذريون، ونحو 40 عنصرًا من الجماعة خلال معاركهم في جبل التركمان.
جنوبًا وفي تطورات الأوضاع في درعا، ورغم انتهاء التسويات في المحافظة تحت إشراف روسي، والتي سمحت لقوات النظام وأجهزته الأمنية ببسط السيطرة الكاملة على المحافظة، إلّا أنّ سيطرة قوات النظام لم تغيّر من واقع الحال ولم تستقر الأوضاع الأمنيّة؛ حيث لا تزال الفوضى وعمليات الاعتقال والاغتيال المتنقلة هي السائدة. هذا، فيما قامت قوات النظام باقتحام بلدة "ناحتة" بريف درعا الشرقي مرة أخرى، وداهمت المنازل بحجة القبض على مطلوبين رفضوا التوقيع على ورقة التسوية مع النظام، بعدما استقدمت تعزيزات عسكرية تضم مدافع ثقيلة وعشرات العناصر.
ولم يلتزم النظام بما اتُّفق عليه وفق خريطة الحل الروسي، فلا يزال مسلسل الاعتقالات والاغتيالات مستمرًا، بعدما اعتقلت الأجهزة الأمنية للنظام عشرين شخصًا بعدة مناطق من المحافظة. كما ارتفعت وتيرة عمليات الاغتيال في عموم المحافظة، وذلك بعد أن أقدم مجهولون على اغتيال ضابط في قوات النظام وعضو في لجان التسوية والمصالحة بريف درعا الشرقي.
على جبهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات والقصف "الإسرائيلي" على مناطق متفرقة بسوريا، خصوصًا في محيط دمشق. وتُعزز هذه الضربات المتلاحقة الاعتقاد بأن "تل أبيب" عززت تفاهمات غير معلنة مع موسكو أثناء لقاء رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، نفتالي بينت، بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. في التفاصيل، شنّ سلاح الجو "الإسرائيلي" غارات جوية استهدفت مواقع تابعة للمجموعات الإيرانية، داخل "كتيبة الكيمياء" التابعة "للفرقة السابعة" ومستودعًا للأسلحة الإيرانية بريف دمشق الجنوبي الغربي، ما أسفر عن انفجار المستودع بالكامل.
وجاء هذا القصف بعد قصفٍ مماثل استهدف مواقع بريف دمشق الشمالي الغربي؛ حيث استهدف الجيش "الإسرائيلي" بصواريخ أرض-أرض مواقع عسكرية لقوات النظام و"الفرقة الرابعة"، ومستودعات للسلاح والذخائر لـ"حزب الله" والمجموعات التابعة لإيران في "ضاحية قدسيا" و"الديماس"، ما أدى إلى إصابة جنديين من قوات النظام.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا