استنتاجات الموجز:
المشهد السياسي يصل لطريق مسدود بعد فشل المفاوضات مع "حمدوك"، و"البرهان" يؤكد عدم التراجع عن قراراته التي يدعمها "حميدتي"
تراجع تأثير معسكر الرافضين لقرارات "البرهان" واستجابة ضعيفة للعصيان المدني الذي دعوا إليه وسط تسريبات بدعم مصري لما يجري في البلاد
تراجع متباين في أسعار السلع بعد فتح الشرق وعودة الحركة للميناء واستمرار استقرار سعر الصرف
تظاهر مئات السودانيين، مساء الأحد، بعدد من أحياء العاصمة الخرطوم ومدن أخرى رفضًا لقرارات قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وللمطالبة بالحكم المدني، الذي أكد أنه لن يتراجع عن قرار حلّ الحكومة وإعلان حالة الطوارئ، مشددًا على أن المعضلة في السودان ليست في شخص رئيس الوزراء المعزول، عبد الله حمدوك. وأشار "البرهان" في تصريحات خاصة إلى أن المشكلة في بلاده تكمن في طريقة إدارة الدولة في المرحلة السابقة، وفي محتويات الوثيقة الدستورية نفسها، وكذلك في طريقة تعامل القوى السياسية مع الجهاز التنفيذي.
من جهته، وصف قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في أول تصريح له منذ الـ25 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قرارات "البرهان" بأنها جاءت لتصحيح مسار الثورة والمحافظة على أمن واستقرار البلاد. وفي كلمة مسجلة له، قال "حميدتي" إن هذه القرارات "سببها تعثر الإصلاح لتمسك فئة قليلة بالحكم"، مؤكدًا الالتزام بالتحول الديمقراطي وإقامة الانتخابات عام 2023 وتشكيل حكومة مدنية مستقلة. وشدد "حميدتي" على أن تلك القرارات جاءت عقب تعثر محاولات الإصلاح بسبب ما سماه "تمسك وتحكم فئة قليلة بزمام الأمر في البلاد، وانشغالها بالصراع على السلطة وإهمالها مطالب الشعب".
بالمقابل، اعتبر الأمين السياسي لحزب "المؤتمر الشعبي السوداني"، كمال عمر، قرارات "البرهان" انقلابًا عسكريًا، وطالب في مؤتمر صحفي عقده الحزب بإطلاق سراح السياسيين المعتقلين، بمن فيهم رئيس الوزراء المعزول، عبد الله حمدوك. من جهتها، جددت "الجبهة الثورية السودانية" "موقفها الثابت ضد الانقلاب عبر احترام إرادة الشعب السوداني والتحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية". وأكدت الجبهة في بيان صادر عن مجلسها القيادي على التزامها بالوثيقة الدستورية وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام.
في سياق متصل، قالت مصادر سودانية إن اجتماعًا مشتركًا عُقد، الأحد بالخرطوم، ضم ممثلين لتحالف الحرية والتغيير من مجموعتي المجلس المركزي والميثاق الوطني بجانب شخصيات وطنية. وناقش الاجتماع مقترحًا باختيار "حمدوك" عضوًا بمجلس السيادة السوداني، ضمن أعضاء المكون المدني بحسب رغبة المكون العسكري. وأشارت المصادر نفسها إلى أن "حمدوك" أخبر تلك القيادات بأنه يوافق على مقترح تسميته عضوا بمجلس السيادة في سبيل الخروج من الأزمة السياسية، بشرط موافقة القوى السياسية. وطلب "حمدوك" من القوى السياسية إدارة حوار سياسي موسع حول مقترح تعيينه عضوا بمجلس السيادة السوداني، وهو الأمر الذي لم يوافق عليه الاجتماع الموسع.
بدوره، أعلن تجمع المهنيين السودانيين مقترحًا سياسيًا يشمل ضمن أمور أخرى، تشكيل سلطة انتقالية مدنية مدتها أربع سنوات، مع اختيار شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة ومجلس وزراء من كفاءات، وتشكيل برلمان خلال شهرين وإلغاء الإعلان الدستوري. ودعت الوثيقة إلى حل قوات الدعم السريع والحركات المسلحة أو دمج بعضها في الجيش، وأن يكون رئيسُ مجلس الوزراء هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
في أنباء ذات صلة، قرر "البرهان" إعفاء خمسة مديرين لبنوك حكومية من مناصبهم، حسبما أفاد التلفزيون الرسمي في السودان، كما أصدر في وقت سابق قرارًا بحل جميع مجالس إدارات الشركات الحكومية والمشاريع الزراعية القومية. أمنيًا، فرقت الشرطة السودانية بالقوة وقفة احتجاجية داخل مقر وزارة التربية والتعليم في الخرطوم، فيما قالت لجنة المعلمين السودانيين إن السلطات ألقت القبض على عشرات المعلمين المحتجين.
على صعيد ردود الفعل الخارجية، أرسلت جامعة الدول العربية إلى الخرطوم وفدًا رفيعًا لمحاولة حل "الوضع المتأزم" في السودان، كجزء من جهود الوساطة بين العسكريين والمدنيين. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين من حكومة "حمدوك" قولهما إن المفاوضات لإيجاد حل للأزمة السياسية في السودان بعد الانقلاب وصلت إلى "طريق شبه مسدود"، بعد رفض الجيش العودة إلى مسار التحول الديمقراطي.
في السياق ذاته، اتهم الجيش السوداني دبلوماسيين ومسؤولين سابقين بالإضرار وتأليب المؤسسات الدولية ضد وطنهم. وتزامنًا مع ذلك، تقدم مشرعون في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين بمشروع قرار يدين "الانقلاب في السودان"، ويؤكد الوقوف بجانب الشعب السوداني. ويؤكد مشروع القرار الاعتراف برئيس الوزراء المعزول وحكومته بوصفهم قادة دستوريين للحكومة الانتقالية، ويدعو المجلسَ العسكري إلى الإفراج عن المسؤولين الحكوميين وأعضاء المجتمع المدني. كما يطالب مشروعُ القرار وزيرَ الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بتحديد من وصفهم بقادة الانقلاب والمتواطئين معهم، للنظر في إمكانية فرض عقوبات عليهم.
من جهته، طالب مجلس حقوق الإنسان الأممي بـ"عودة فورية" للحكومة المدنية المعزولة في السودان، واعتمد في جلسة خاصة قرارًا يندد بالتوقيف الظالم لرئيس الوزراء ومسؤولين آخرين، مطالبًا بأن يفرج العسكريون "فورًا" عن "كل الأفراد المعتقلين بشكل غير شرعي أو تعسفي".
على صعيد إقليمي مغاير وفي تسريب سري، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن دعم مصري "سري" لانقلاب "البرهان" وفق مصادر مطلعة. وقالت الصحيفة إنه في اليوم السابق للانقلاب الذي أوقف التحول الديمقراطي في السودان الشهر الماضي، قام "البرهان" بسلسلة من التحركات الجيوسياسية الجريئة، مضيفةً أنه طمأن الموفد الأمريكي إلى القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، بأنه "لا ينوي الاستيلاء على السلطة، ثم استقل طائرة متوجهًا إلى مصر لإجراء محادثات سرية لضمان حصول مؤامرته على دعم إقليمي". وأضافت الصحيفة أن "السيسي" طمأن زميله الجنرال، وفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على الاجتماع.
خارجيًا، أجرى مبعوث الحكومة الصينية الخاص لقضية الشرق الأوسط، تشاي جيون، مكالمة هاتفية مع وكيل وزارة الخارجية السودانية، علي الصادق علي، أكد على رفض الجانب الصيني تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية السودانية، ويثق بأن الشعب السوداني له الحكمة والقدرة على معالجة شؤونه الداخلية وإيجاد حل ملائم لمشاكله.
في شأن عسكري، وعلى صعيد التعاون العسكري التقني بين روسيا والسودان، وردًا على سؤال حول مستقبل الاتفاق بين موسكو والخرطوم بشأن مركز الإمداد العسكري التقني للقوات البحرية الروسية في السودان، في ظل التطورات الأخيرة في البلد، قالت المتحدثة باسم الخارجية، ماريا زاخاروفا: "لا نكشف عن تفاصيل التعاون العسكري والعسكري التقني لروسيا مع الدول الأجنبية نظرًا لحساسية مثل هذه المواضيع".
داخليًا، وقف والي الخرطوم المكلف، أحمد عثمان حمزة، على بداية عملية استئناف الدراسة بمدارس الولاية، وذلك خلال جولة على عدد من المدارس بالولاية، رافقه فيها مدير عام التعليم ومدير الإدارة العامة لمرحلة الأساسي. وأكد الوالي حرص الولاية على استقرار الدراسة وإكمال العام الدراسي وفقًا للتقويم المدرسي، ونبه على ضرورة إبعاد التعليم عن أي نزاعات سياسية، لأنه عملية تربوية يجب أن تتضافر كل الجهود لخلق بيئة ملائمة للاستقرار .
اقتصاديًا، استُئنفت حركة السلع والبضائع إلى العاصمة بعد فتح الشرق وانسياب الحركة في ميناء بورتسودان، ما أدى إلى تراجع أسعار السلع تدريجيًا إلى ما كانت عليه قبل إغلاق الشرق. هذا، بينما تضرر مستثمرون ورجال أعمال أجانب ووطنيون من قطع شبكة الإنترنت طوال الأسبوعين الماضيين، ما عطل أنشطتهم التجارية، وطالبوا بضرورة عودة خدمة الإنترنت حفاظًا على المستثمرين الاجانب.
اقتصاديًا أيضًا، حافظ الجنيه السوداني على مكاسبه الأخيرة؛ حيث استقرّت أسعار صرف العملات الأجنبية وجرى تداول أسعار الدولار الأمريكي في السوق الأسود عند مبلغ 440 جنيهًا في المتوسط. بدوره، حدّد البنك المركزي سعر الدولار التأشيري بمبلغ 438 جنيهًا، فيما بلغ أعلى سعر صرف العملة للعملة الأمريكية لدى البنوك 448 جنيهًا، وأدّنى سعر 338 جنيهًا.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا