استنتاجات الموجز:
استمرار المساعي العربية للتقارب مع النظام السوري آخرها بذل جهود حثيثة من قبل الأردن والجزائر لإعادة تعويمه وإعادته للجامعة العربية وسط مساعٍ لإعادة مفاوضات "اللجنة الدستورية"
ارتفاع وتيرة عمليات تنظيم "داعش" ضد قوات النظام وإيران وروسيا و"قسد" في البادية السورية يشير لتصاعد قوته وعدم نجاح الغارات الجوية والحملات البرية في الحد من نشاطه
في الوقت الذي يبذل فيه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، جهودًا جديدة ويكثف اتصالاته مع روسيا وإيران، لتمهيد الطريق أمام جولة سابعة من مفاوضات "اللجنة الدستورية" بين النظام والمعارضة السورية، لكن من غير المتوقع أن تفضي هذا الجهود إلى نتائج، تسعى دولًا عربية جهادةً لتعويم إضافي للنظام والعمل على إعادته إلى جامعة الدول العربية، إذ أكد الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، أن بلاده ترغب في أن تكون القمة العربية المقررة في آذار/ مارس المقبل في الجزائر، قمة جامعة يعود فيها النظام السوري، موضحًا أنّ بلاده تطمح لأن تكون القمة العربية المقبلة قمة لـ"لمّ الشمل".
وضمن مساعيه لإحياء محادثات اللجنة الدستورية، تباحث "بيدرسون" هاتفيًا مع كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة، علي أصغر خاجي، حول العملية السياسية في سوريا، مشددًا على أهمية توسيع المساعدات الإنسانية كعنصر موحد لحل الأزمة السورية. من جانبه، أعرب "خاجي" عن أمله في أن تقود الجهود المشتركة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ الخطوات اللازمة، لرفع العقوبات الأحادية الجانب عن النظام. وكان "بيدرسون" قد أجرى محادثات مع الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، تطرقا خلالها لعمل "اللجنة الدستورية".
وتزامنًا مع محاولات إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية، وفي سياق المبادرات الأردنية المعلنة لتعويم النظام، واصلت الحكومة الأردنية تعزيز تقاربها مع الأخير، وتحديدًا من البوابة الاقتصادية والتي تحمل دلالات سياسية؛ حيث تأتي خطوة إعادة افتتاح المنطقة الحرّة بين سوريا والأردن وانطلاق الأعمال والأنشطة التجارية والاقتصادية فيها، لتستكمل هذا المسار الذي يهدف إلى ضخّ الحياة في الاقتصاد السوري المتهالك، وتنشيط الحركة التجارية وجذب الاستثمارات وتنشيط قطاع الخدمات، وبالتالي خلق فرص العمل والمساهمة في تحقيق دعم العملية التنموية الاقتصادية والاجتماعية لكلا البلدين.
في إطار تعزيز اقتصاد النظام، زار دمشق وفد اقتصادي إيراني برئاسة وزير الصناعة والمناجم والتجارة، رضا فاطمي آمين، والذي حضر اجتماعات "الملتقى الاستثماري التأسيسي السوري - الإيراني" الذي عقد في دمشق. وافتتح "آمين" المركز التجاري الإيراني في المنطقة الحرة بدمشق، لـ"تقوية العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين".
وفي خضم تهافت بعض العرب للتطبيع مع النظام تحت شعار استعادته من الحضن الإيراني، ومساعي الجزائر لعودة النظام إلى الجامعة العربية، عُقد في إيران جولة محادثات جديدة إيرانية روسية بين "اللجان المتخصصة بالوضع السوري" على مستوى الدفاع والأمن والسياسة. وقاد الوفد الروسي الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، الذي زار دمشق قبل طهران والتقى رئيس النظام، بشار الأسد، وبحث معه عدة نقاط تختص بتطوير تعاون موسكو وطهران مع دمشق.
وفي ختام المحادثات، وصف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، التعاون المشترك بين طهران وموسكو في سوريا، بأنه "تجربة ناجحة تمامًا تشكلت في إطار إرادة الحكومة السورية وسيادتها".
وفي ختام جولة المباحثات، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الوفد الروسي الذي زار طهران، بحث سبل تثبيت استقرار الوضع "على الأرض" في سوريا مع استمرار القتال ضد الإرهابيين، مشيرةً إلى أن الطرفين أجريا "تبادلًا مكثفًا لوجهات النظر". كما تطرقت المحادثات إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2585 بشأن المساعدة الإنسانية في سوريا، والقرار رقم 2254 حول تسوية الأزمة فيها.
وتدل مؤشرات الجولة الأخيرة أنّ موسكو بذلت جهودًا للتوصل لتفاهمات مع طهران، لإعادة تموضعها في سوريا لتجنب الضربات "الإسرائيلية"؛ فقد أكد "لافرنتييف" على ضرورة عدم تكرار الاعتداءات "الإسرائيلية" على سوريا، مشددًا على رفض بلاده مبدأ الرد العسكري على الغارات "الإسرائيلية"، ودعا إلى "التواصل مع إسرائيل" في هذا الشأن. وإثر هذه التصريحات، سربت موسكو أنها تعمل على إقناع الإيرانيين بإخلاء عدد من المواقع في سوريا، بذريعة أنها تتعرض لغارات "إسرائيلية" متواصلة، ولسحب الحجة "الإسرائيلية" في استمرار هذه الغارات، ومنها مطار "تيفور". ويبدو أن هذا الطلب "إسرائيلي" قبل أن يكون روسيًا، فيما تسربت معلومات عن استجابة طهران لضغوط موسكو بإخلاء المطار.
بموازاة ذلك، وقُبيل جولات مسار أستانة التفاوضي المقرر انعقاد جولة جديدة منه في الـ17 من الشهر الجاري، يعمد النظام وروسيا لزيادة الضغط على تركيا عبر تكثيف القصف على المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام في محافظة إدلب، خاصةً في مناطق "خفض التصعيد" بريف إدلب الجنوبي؛ حيث قصفت قوات النظام مجددًا بالمدفعية الثقيلة بلدات عدة في عمق إدلب وفي ريفها الجنوبي، ما تسبب بحدوث دمار واسع في الممتلكات ووقع خسائر بشرية بينهم أطفال.
ومن المتوقع أن يفتح الجانب الروسي في الجولة المقبلة ملف الطريق الدولي "إم-4"، لاستعادة الحركة التجارية على هذا الطريق، وهو ما يعني ترتيب الأوضاع الميدانية بريف إدلب الجنوبي لصالح النظام، الأمر الذي يرفضه الأتراك الذين يحرصون على عدم حدوث موجات نزوح جديدة. ومن المتوقع أيضًا أن يتناول الثلاثي الضامن الأوضاع في منطقة شرقي نهر الفرات التي تعيش توترًا، تحديدًا بريف الرقة الشمالي حيث بلدة "عين عيسى"، وفي ريف الحسكة الشمالي الغربي حيث بلدة "تل تمر".
في غضون ذلك، ارتفعت وتيرة عمليات تنظيم "داعش" ضد قوات النظام والمجموعات المحلية والإيرانية والروسية في الآونة الأخيرة في البادية السورية، ما يشير إلى أن إمكانياته لم تتراجع، ولم تنجح الغارات الجوية الروسية والحملات البرية التي نفذتها قوات النظام والمجموعات الإيرانية، في الحد من نشاط التنظيم في البادية.
وقد وكثّف الطيران الروسي غاراته على تحصينات التنظيم في البادية، في محاولة متكررة لوضع حد لعمليات خاطفة يقوم بها "داعش" تؤدي إلى مقتل وإصابة وخطف عناصر من قوات النظام. واستهدفت المقاتلات الروسية بأكثر من 560 غارة جوية مواقع مبعثرة يعتقد أنه يتوارى ضمنها عناصر التنظيم خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كان آخرها غارات على مواقع مفترضة للتنظيم في باديتي حمص والرقة، وذلك بعد مقتل وجرح نحو 25 من عناصره في القصف الجوي الروسي.
وكان "داعش"، أعلن في بيان نشرته وكالة "أعماق" التابعة له أنه نفذ خلال الأسبوعين الماضيين 17 هجومًا في سوريا، ما أسفر عن مقتل وإصابة 35 عنصرًا من قوات النظام والمجموعات الرديفة لها، وقوات سورية الديمقراطية "قسد".
في شأنٍ آخر، ورغم انتهاء التسويات وسحب السلاح بمحافظة درعا من قبل أجهزة النظام، إلا أن الوضع الأمني ما زال هشًا؛ حيث لم تتراجع حدة عمليات الاغتيال المتنقلة بعد، ما يؤكد أن هذه الأجهزة تعمل على إبقاء الفوضى الأمنية ذريعة للقيام بعمليات انتقامية واسعة لمعارضين. وقد عادت قوات النظام إلى القصف العشوائي على الأحياء السكنية ومحيط تجمع مدارس في مدينة نوى غرب درعا، الذي أودى بحياة ثلاثة مدنيين، فيما أصيب عدد من المواطنين بجروح بينهم طلاب مدارس، في مؤشر على هشاشة هذه التسويات، وذلك كردة فعل انتقامية على استهداف مجهولين بعبوة ناسفة سيارة لجهاز الأمن العسكري التابع للنظام على طريق نوى – الشيخ سعد بريف درعا الغربي. وكان انفجار العبوة قد أدى لمقتل أربعة عناصر يعملون في جهاز الأمن العسكري. توازيًّا، اعتقلت قوات النظام نحو 20 شابًا بعدما عثرت على جثتين لعنصرين يعملان ضمن مرتبات الفرقة التاسعة، مقتولين برصاص مجهولين بمدينة نوى.
في السياق، تحدث "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في تقرير له عن مقتل 69 شخصًا منذ انتهاء التسويات في درعا، منهم 36 مدنيًا بينهم طفلان، و29 من عناصر قوات النظام والمتعاونين مع المجموعات و"الفيلق الخامس" المدعوم روسيًا، وأربعة من المسلحين المحليين الرافضين للتسويات.
وفي محافظة السويداء، طرد أهالي بلدتي شهبا والمزرعة بريف السويداء دورية للشرطة العسكرية الروسية، ترافقها سيارة تابعة لأجهزة النظام الأمنية، بعدما رفض الأهالي مساعدات غذائية حاول العناصر الروس توزيعها عليهم، في حادث ليس الأول من نوعه في المحافظة، التي تشهد هي الأخرى حالة من الفلتان الأمني وتململًا شعبيًا متصاعدًا بسبب تردي الأحوال المعيشية.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا