استنتاجات الموجز:
"حرب باردة" بتونس جرّاء إقحام المؤسسة العسكرية وتسيسيها وسط تصاعد الخطاب العنيف لمختلف الفاعلين السياسيين
بعد رفض الشارع الجزائري "أحزاب السلطة" صندوق الانتخابات المحلية يعيدها لواجهة الحكم لتتجاوز العاصفة الشعبية المناوئه لها
الخريطة السياسية المنبثقة عن الانتخابات الشاملة بالمغرب تبدو متجهةً نحو خلق واقع سياسي بثلاثة فاعلين حزبيين وعوائد سياسية أكبر
شهدت الأيام الأخيرة تصاعدًا لافتًا في حدة الخطاب السياسي بين الفرقاء السياسيين في تونس، بشكل زاد مخاوف الانزلاق لمزيد من العنف قد يعقّد الوضع أكثر ويعمّق الأزمة بمختلف أوجهها؛ حيث جاء هجوم رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، على معارضيه حادًّا، لا سيما أنه جاء خلال اجتماع المجلس الأعلى للجيوش، ما فُهم أنه يحمل مؤشرات على تصعيد مقبل. فقد هدد "سعيّد" بإصدار مراسيم لتفعيل قرارات محكمة المحاسبات بشأن الجرائم الانتخابية، مؤكدًا أنّ "الدولة ليست لقمة سائغة ومؤسساتها ستبقى قائمة"، إضافةً لانتقادة بطء تعامل القضاء مع تقرير محكمة المحاسبات حول الانتخابات التشريعية والبلدية، وإصدار مراسيم بإلغاء القائمات المخالفة ومحاسبتها قانونيًا، متهمًا القضاة بالتواطؤ مع الأحزاب لتمر الآجال القانونية، وتُلغى إمكانية إسقاط القائمات.
من جهتها، عبّرت أحزاب "الجمهوري"، و"التيار الديمقراطي"، و"التكتل من أجل العمل والحريات"، عن رفضها لإقحام الجيش الوطني في الصراعات السياسية، ولمضمون كلمة "سعيّد" وزجّه بالأجهزة الحساسة للدولة في الخلافات السياسية، مستنكرةً إصراره على "اعتماد خطاب التقسيم وكيل الاتهامات لمعارضيه". بدورها، نددت "حركة النهضة" باستمرار اعتماد خطابات التخوين، واستغلال المؤسسة العسكرية لتصفية الحسابات"، مؤكدةً على ضرورة احترام مهام الجيش وإبعاده عن التجاذبات السياسية. كما أعلن المجلس الأعلى للقضاء رفضه المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية، بمقتضى المراسيم والضمانات المكفولة للقضاة وظيفيًا وهيكليًا، وفي مقدمتها وجود المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية ضامنة لحسن سير القضاء واستقلاله.
في سياقٍ متصل، اعتبرت الأوساط السياسية أن "سعيّد" أجّج الانقسام بين المواطنين بإعلانه تغيير موعد "عيد الثورة" إلى الـ17 من كانون الأول/ ديسمبر بدلًا من الـ14 من كانون الثاني/ يناير. فقد اعتبر حراك "مواطنون ضد الانقلاب" أن "تغيير الموعد إرهاصة شعبوية تعكس حجم التخبط الذي بلغه سعيّد، ومواصلاته بيع الوهم والتلاعب بمشاعر الشعب في غياب الرؤية". هذا، بينما اعتبرت الأحزاب أن الشعب ينتظر تغييرات اقتصادية واجتماعية لإنقاذ البلاد من الإنهيار، بدلًا من إثارة المسائل الخلافية بينهم.
من جهته، وتعليقًا على خلفيات تصاعد التوتر في البلاد، كشف الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، عن وجود “خيار ثالث” لإنهاء الأزمة عبر الانتخابات المبكرة، نافيًا وجود “تقارب” مع "النهضة"، بعدما أعلنت الحركة في وقتٍ سابق عن وجود مؤشرات تقارب في الآراء بينها وبين بقية الأطراف. على جانب آخر، تحدثت المعارضة عن وجود رغبة فرنسية للتخلي عن "سعيّد"، مشيرةً إلى وجود لقاءات عدة بين السفارة الفرنسية وقيادة الاتحاد وعدد من الأحزاب المعارضة.
دبلوماسيًا، أقال "سعيّد" قنصلي باريس وميلانو، مطالبًا بإجراء تدقيق مالي وإداري، كما كلّف "رضا غرسلاوي" بمهام قنصلية باريس، و"خليل الجندوبي" بمهام قنصلية ميلانو، بعدما أنهى تكليف عشرة سفراء، أبرزهم تولى تمثيل البلاد في برلين وأنقرة وبكين والدوحة، وستة قناصل آخرين.
أمنيًا، أثارت حادثة وفاة مهاجر تونسي بـ”شبهة تعذيب” جدلًا حول ظروف احتجاز المهاجرين في إيطاليا؛ حيث كشف النائب، مجدي الكرباعي، عن وجود تكتم من قبل السلطات حول اتفاقية سرية مع إيطاليا تتعلق بالإعادة القسرية للمهاجرين غير النظاميين، مشيرًا إلى أن السلطات الإيطالية طلبت من نظيرتها التونسية زيادة الرقابة على الحدود والترفيع في نسبة المرحلين قسريًا أسبوعيًا من 80 إلى 120 شخصًا.
في الشأن الجزائري، نجحت أحزاب السلطة في تجاوز العاصفة الشعبية، وتخطت مرحلة الارتباك التي أحدثت هزة داخلية في صفوفها، من خلال صياغة خطابها الشعبوي، وتمكنت من تشكيل قوائم مرشحيها. فقد أعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، أن حزب "جبهة التحرير الوطني" جمع 5978 مقعدًا في المجالس البلدية وحسم رئاسة المجالس لصالحه في 124 بلدية، بعد فوزه بالأغلبية المطلقة. كما فاز الحزب ذاته بالأغلبية النسبية في 552 بلدية، بينما فاز الإسلاميون في 253بلدية مع حضور بارز لجبهة "القوى الاشتراكية" المعارضة في ولايات منطقة القبائل. وقد أثار استحواذ "جبهة التحرير" تساؤلات عدة حول السياقات السياسية التي أتاحت له العودة بقوة للمشهد، رغم أنه كان عرضة لرفض شعبي عارم خلال تظاهرات الحراك الشعبي.
دبلوماسيًا، حظيت زيارة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، باهتمام بالغ، خصوصًا أنها تسبق موعد انعقاد القمة العربية التي تحتضنها الجزائر في آذار/ مارس المقبل؛ حيث استدعت الرئاسة جميع سفراء الدول في إجراء استثنائي وخطوة رمزية، أرادت السلطات التأكيد على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. فمن جانبه، ناقش رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مع "عباس" التنسيق مع دولة فلسطين لأن تكون القضية الأولى والمركزية على جدول القمة. كما بحث الطرفان ملف قمة الاتحاد الأفريقي، التي تشهد تصويت أعضاء الاتحاد على ملف انضمام "إسرائيل" إلى الاتحاد بصفة مراقب، فيما تقود الجزائر تحركًا لمنع ذلك.
في الشأن ذاته، قررت الرئاسة استضافة اجتماع يضم الفصائل الفلسطينية لدعم العمل الفلسطيني المشترك، مجددةً رفضها مسارات التطبيع واستعدادها لمواجهة تبعات مواقفها الثابتة. كما قررت الرئاسة تقديمَ الصك الذي يتضمن مساهمةً ماليةً بقيمة 100 مليون دولار، لرئيسِ منظمة التحريـر الفلسطينية، مع تخصيص 300 منحة دراسية لصالح الطلبة الفلسطينيين. إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية تعيين سفيرها السابق في المغرب، عبد الحميد عبداوي، متحدثًا باسم الخارجية، بعدما أنهت مهامه كسفير مفوض فوق العادة.
أمنيًا، أمرت المحكمة الجزائية بسجن ستة أشخاص والإفراج المشروط عن أربعة آخرين، بتهم عرقلة سير الانتخابات المحلية، والتشويش على سير العملية الانتخابية وتنظيم مظاهرات مناوئة، وإتلاف الصندوق المخصص للتصويت.
أما في الشأن المغربي، فقد وقّعت أحزاب الائتلاف الحكومي "ميثاقًا للأغلبية"، يشكّل وثيقةً سياسية نقلت العمل الحكومي من العرف السائد إلى مستوى القوانين الملزمة. ويضع الميثاق الأولويات للحكومة السير وفقها في الملفات الداخلية والخارجية، دون الكشف عن مضامينها. بدوره، أعلن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن الميثاق يشكل "تعاقدًا سياسيًا وأخلاقيًا بين مكونات التحالف الحكومي، لبلوغ أهداف البرنامج الحكومي، والالتزامات الانتخابية للأحزاب"، معتبرًا أن "زمن التهرب من المسؤولية والرمي بها قد انتهى، وأن الجميع داخل التحالف الحكومي مسوؤلون".
في سياقٍ متصل، كرّست نتائج انتخابات أعضاء مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) هيمنة الائتلاف الحكومي على المشهد البرلماني؛ حيث حصد التحالف الثلاثي 85 مقعدًا، فيما أصبح الطريق ممهدًا أمام حكومة "أخنوش" لتمرير قراراتها وإقرار مشاريع القوانين والإصلاحات لتحقيق الانتظارات المعلقة عليها. بالمقابل، حصل حزب "العدالة والتنمية"على ثلاثة مقاعد فقط، ما أثار جدلًا وصل لمطالبتهم بالاستقالة، لأن ذلك لن يمنح الحزب تشكيل كتلة نيابية في ظل اشتراط القانون الداخلي الحصول على ستة مقاعد، فيما اعتبرها البعض أنها "مقاعد منحت للحزب وأنه لا يستحقها".
على صعيد منفصل، اعتبرت وزيرة الدفاع الإسبانية، مارغريتا روبليس، أن الوجود العسكري في سبتة ومليلية كافيًا، مؤكدةً أنهما "أرض إسبانية وليست محل نزاع”، كما نفت الإتهامات التي توجهت للجيش الإسباني بالاعتداء على القاصرين المغاربة خلال أزمة الهجرة الجماعية، وانتهاك حقوقهم بعد التحقيقات القضائية.
قضائيًا، برّئت وزارة الصحة ذمتها في شأن صفقات الأدوية، مهددةً حقوقيين بالمتابعة القضائية، بعدما قدمت “المنظمة المغربية لحماية المال العام” شكوى لدى النيابة العامة، تتهم فيها وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد أيت الطالب، ومسؤولين في وزارته وشركات متخصصة في قطاع الأدوية بالفساد المالي وتبديد المال العام والرشوة، مؤكدةً أن الشكوى تحمل الكثير من الالتباسات، ومارسة ضغوطًا غير مفهومة على القطاع.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا