الحدث
أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي، في 10 سبتمبر/ أيلول الجاري، عقب لقائه في القاهرة مع مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبحضور وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، التوصل إلى اتفاق بشأن آليات عملية لاستئناف أنشطة التفتيش الأممية في إيران. وجاء الإعلان بعد حراك دبلوماسي مكثف استمر نحو ثلاثة أشهر، قادته القاهرة عبر 12 جولة اتصالات ومباحثات، شملت لقاءات بين عراقتشي وغروسي، ومشاورات مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، بهدف وضع صياغة لآلية جديدة تنظم العلاقة بين إيران والوكالة الدولية.
الرأي
يشير الاتفاق إلى مجمل الاستراتيجية الإيرانية التي تقوم على تجنب الدخول في مواجهة عسكرية مجددا وهو ما يتطلب إظهار مرونة محسوبة في المفاوضات. ويمثل الاتفاق الذي أُعلن في القاهرة محاولة من طهران لتخفيف الضغوط الدولية عليها، في وقت يقترب فيه موعد انتهاء مهلة الثلاثين يومًا لـ"آلية الزناد" التي فعّلتها مجموعة الدول الأوروبية الثلاث "بريطانيا وفرنسا وألمانيا" في 28 أغسطس/ آب الماضي، والتي تهدد بإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران بحلول 27 سبتمبر/ أيلول ما لم يتم التوصل إلى تفاهم جديد.
ويأتي الإعلان متسقًا مع تصريحات متكررة لمسؤولين إيرانيين بشأن الانفتاح على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع الحرص على وضع خطوط حمراء تتعلق برفض تقديم تنازلات تمس "الحقوق المشروعة" لبرنامجها النووي. وقد سبق اتفاق القاهرة نشر مقال لعراقتشي في صحيفة الجارديان حمل دلالة إضافية، إذ تحدث عن استعداد طهران لقبول قيود على تخصيب اليورانيوم وإشراف دولي واسع، في مقابل تخفيف ملموس للعقوبات الاقتصادية.
لقد سعى عراقتشي لإظهار الاتفاق كصيغة عملية تراعي في آنٍ واحد الهواجس الأمنية الإيرانية ومتطلبات الوكالة الفنية. لكن الأهم في تصريحاته هو التهديد الضمني بأن أي عودة للعقوبات الأممية ستعني عمليًا انتهاء الاتفاق. وبذلك، تضع طهران شرطًا صريحًا يجعل من الاتفاق آلية مرهونة بمواقف مجلس الأمن والغرب، أكثر مما تعكس التزامات بعيدة المدى.
من جهة أخرى، يشير اختيار القاهرة لاستضافة جولات التفاوض إلى الثقة بقدرة مصر على لعب دور الوسيط بين جميع الأطراف، بما في ذلك إيران والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما يوضح مسعى النظام المصري لإعادة تثبيت حضوره في قضايا الأمن الإقليمي بعد سنوات من الانكفاء، بحيث يظهر كفاعل يتجاوز الملفات التقليدية المرتبطة بغزة أو ليبيا إلى قضايا إستراتيجية أوسع، وهو ما يعزز صورته لدى الغرب كطرف مسؤول يسهم في منع التصعيد، ولدى طهران كطرف إقليمي قادر على منحها نافذة للتفاوض.