يبدو أن المزاج السائد في القاهرة حاليًا هو أن "مصر أكبر من أن تفشل"، وأن الجهات الفاعلة الخارجية ستتدخل لضمان عدم تخلف مصر عن سداد ديونها ووصولها إلى مرحلة الانهيار الاقتصادي. ربما كان هذا هو الحال في السابق، لكن الوقائع الاقتصادية في المنطقة لم تعد كما كانت من قبل، كما إن الإحباط المتزايد لدى دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يتضح من استبدال المنح والودائع برغبة واضحة في الدخول في استثمارات مجدية تجاريًا، قد يغير هذا الحسابات. إن السماح بوصول مصر لمرحلة التخلف عن سداد ديونها قد يكون كارثيًا بالنسبة لدول الخليج، لكن من وجهة نظر خليجية أخرى فإن العكس قد يكون أكثر كارثية. علاوةً على ذلك، فإن من مصلحة دول الخليج المباشرة أن يتم اتخاذ خطوات معينة، مثل مزيد من تخفيض قيمة الجنيه المصري، وهو ما سيجعل مشترياته ميسورة التكلفة اقتصاديًا.
بناءً على هذه الخلفية، فإن الوضع الجيوسياسي العام لمصر يستحق النظر والمراقبة؛ فلا تزال القاهرة تحظى بأهمية أكبر في الملف الفلسطيني "الإسرائيلي" من أي دولة عربية أخرى حتى الآن. لكن هذا الدور يكون أساسيًا عندما توجد أزمة من نوع ما في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أما خلاف ذلك فإن "عملية السلام" بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين قد تجاوزت مرحلة الاحتضار.
وبنظرة أوسع وفي ملفات أخرى، فقد اتخذت دول الخليج، لا سيما السعودية، موقع الصدارة من حيث القوة والنفوذ الجيوسياسي؛ ويتضح ذلك جليًا من خلال إعادة دمج رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في جامعة الدول العربية، ومن خلال المصالحة بين السعودية وإيران كذلك، وفي كلتا الحالتين لم تكن القاهرة منخرطة بشكل حاسم. بالمثل، وفي الأزمة السودانية الجارية حاليًا، كان دور السعودية في معالجة الصراع منافسًا لمصر، في حين أن الوضع كان سيكون مختلفًا تمامًا لو حدث ذلك منذ عقد أو نحو ذلك، ومن هنا فإن أزمات القاهرة الاقتصادية قد يكون لها تداعيات تعترض طريقها للمضي قدمًا في ملفات أخرى.
آي إس ݒي آي
وجّهت هيئة محلفين كبرى لائحة اتهام ضد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في الأول من آب/ أغسطس الجاري، مدعيّةً أنه تآمر لتقويض عملية فرز الأصوات في انتخابات الكونجرس، بينما ينفي "ترامب" جميع تلك المزاعم ويدّعي أن المحاكمات لها دوافع سياسية. ومن غير المرجح أن تؤثر هذه الاتهامات سريعًا على جهود "ترامب" للحصول على موافقة الحزب الجمهوري على ترشيحه للرئاسة؛ فوفقًا لاستطلاعات الرأي يتقدم "ترامب" بنحو 40 نقطة مئوية على أقرب منافسيه وهو حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس. كما تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية مؤيدي "ترامب" يعتقدون أنه لم يرتكب أي خطأ في الأمور التي تم اتهامه بها، ما يوفر فرصة ضئيلة لمنافسيه الجمهوريين للاستفادة من تلك الاتهامات.
أما بالنسبة للانتخابات العامة، فسيحتاج "ترامب" بشكل شبه مؤكد إلى تحويل الانتباه والوقت نحو المحاكمات؛ ففي حالة ظهور أدلة جديدة ومثيرة فمن المرجح أن تؤثر على مكانته بين الناخبين المستقلين أو غير المشاركين، رغم أن كثيرًا من هذه الجرائم المزعومة قد نوقشت علنًا على مدار أشهر. وكما هو الحال مع لوائح الاتهام السابقة، هناك خطر كبير من وقوع احتجاجات قد يصل عدد المتظاهرين فيها إلى الآلاف خلال جلسة الاستماع إلى "ترامب" في واشنطن. ووفقًا لاستطلاع الرأي أيضًا، فإن معظم مؤيدي "ترامب" يعتقدون أنه ستتم تبرئته قانونًا، ما سيخفف من الحماس للاحتجاج بأعداد كبيرة.
ورغم أن كثيرًا من المتظاهرين المتطرفين يشعرون بالقلق بسبب الاحتجاجات التي أعقبت تنفيذ مئات الاعتقالات، إثر اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني/ يناير 2021، إلا أنه من المحتمل جدًا حدوث احتجاجات عنيفة خلال محاكمات "ترامب" أوائل ومنتصف عام 2024؛ حيث ستكون الانتخابات العامة قد اقتربت وسيتجمع خلال فعاليات الحملة الانتخابية حشود كبيرة. ومن المحتمل حدوث اشتباك بين المدافعين عن "ترامب" والمعارضين له، إلى جانب احتمال وقوع حوادث دهس بالسيارات. ومن المرجح أن يتم تنفيذ هجمات ذات دوافع سياسية ومحاولات اغتيال سياسي، خصوصًا بحق السياسيين الذين ليس لديهم أمن شخصي أو للموظفين في المقرات المحلية للحزب، كما رأينا في هجوم أيار/ مايو 2023 الذي أدى لإصابة اثنين من أعضاء الكونغرس في ولاية فرجينيا.
آي إتش إس ماركت
لقد توترت العلاقات بين الحكومتين الأمريكية و"الإسرائيلية" بشكل ملحوظ منذ أن عاد رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، إلى منصبه نهاية عام 2022 على رأس ائتلاف يميني متطرف؛ حيث تبنت حكومة "نتنياهو" أجندة سياسية كانت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تنتقدها بشدة أحيانًا. وقد سلطت زيارة الرئيس "الإسرائيلي"، إسحاق هرتسوغ، إلى الولايات المتحدة منتصف تموز/ يوليو الماضي الضوء على استمرار دعم الولايات المتحدة لـ"إسرائيل"، لكنها أظهرت أيضًا التهديدات التي تعتري ما يُعتبر تقليديًا أهم علاقة لـ"إسرائيل". وإن كان من المستبعد أن تنهار العلاقات بين الطرفين، إلا أنه من المتوقع أن يعتريها مزيد من التقلبات خلال السنوات القادمة، وذلك نظرًا لظهور اليمين المتطرف في "إسرائيل" وتغير علاقة الأحزاب السياسية الأمريكية معها.
وإن كنا سنشهد على الأغلب احتكاكًا دبلوماسيًا متصاعدًا على المدى القصير، إلا أن العلاقات الأمنية لن تصل إلى حد الانهيار وستظل العلاقة الاستراتيجية متينة؛ فقد قام كل من وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، وزير الخارجية، أنتوني بلينكين، ورئيس مجلس الأمن القومي، جيك سوليفان، ومدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، بزيارات إلى "إسرائيل" منذ تشكيل حكومة "نتنياهو". ورغم أن كل تلك الزيارات أجريت في الأسابيع القليلة الأولى من ولاية "نتنياهو"، إلا أن الأخير لم يشجع نظراءهم "الإسرائيليين" على السفر إلى الولايات المتحدة، كما إنه غير مرحب به هناك.
من ناحية أخرى، واصلت إدارة "بايدن" التفاوض على شروط التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" بموجب "اتفاقات أبراهام" 2020، في محاولة لتوطيد العلاقات بين حلفائها الإقليميين، لكن التطبيع الكامل لا يزال غير مرجح. فربما يكون "بايدن" آخر سياسي ديمقراطي من الجيل الذي كان يدعم "إسرائيل" بشكل روتيني؛ فأقل ما يقال عن توجه ناخبي الحزب الديموقراطي وأعداد كبيرة من المسؤولين المنتخبين أنه فاتر في أحسن الأحوال، إن لم يكن غير داعم لـ"إسرائيل"، وقد قاطع عدد منهم خطاب "هيرتسوغ" في الكونجرس في الـ19 من تموز/ يوليو الماضي. بالمقابل، لا يزال الحزب الجمهوري متعاطفًا بشكل شبه موحد وليس لديه اعتراضات كبيرة على الإصلاحات القضائية "الإسرائيلية"، في حين أن تزايد الميول الانعزالية لدى الجمهوريين لا يتماشى مع مصالح "إسرائيل" المتمثلة في انخراط الولايات المتحدة بشدة في الشرق الأوسط.
في ظل هذه الأجواء، ولتخطي أي حدث، ستحتاج "إسرائيل" إلى دعم من الحزبين، من خلال التغييرات في الإدارات الأمريكية والأغلبية في الكونجرس. لكن إتمام حزمة الإصلاحات القضائية حتى نهايتها لن يؤدي فقط إلى تقويض خطير للديمقراطية "الإسرائيلية"، بل من المحتمل أيضًا أن توجه ضربة ضد "القيم المشتركة" بين البلدين. ومن هنا، فمن المرجح أن تظل "إسرائيل" حليفًا عسكريًا مهمًا على المدى الطويل، لكن العلاقة الخاصة قد لا تستمر في شكلها الحالي.
إيكونوميك إنتيليجنس يونيت
إن التقارب بين تركيا والاتحاد الأوروبي لن يسفر على الأرجح عن إعادة توحيد قبرص، لكن زيادة الحوار حول مستقبل الجزيرة يمكن أن يؤدي إلى تحسن المناخ السياسي، ما سيوفر فرصًا اقتصادية مفيدة للطرفين. فمن جهتها، تدفع قبرص الاتحاد الأوروبي إلى تعيين مبعوث خاص لاستئناف المحادثات مع تركيا بشأن إعادة توحيد الجزيرة، التي تسيطر حكومة مدعومة من تركيا على ثلثها، كما تريد ربط هذه المحادثات بالمفاوضات الأخيرة حول انضمام تركيا إلى الاتحاد.
في السياق ذاته، فإن الانتخابات الأخيرة في كل من قبرص وتركيا واليونان، إضافةً إلى تحسن أجواء الحوار بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، سيمهدان لاستئناف المفاوضات بشأن الجزيرة. لكن رغم الاستئناف المحتمل للمحادثات إلا أن إعادة توحيد قبرص لا تزال غير مرجحة على المدى القصير إلى المتوسط، لأن الخلافات الأساسية للجهات الرئيسية الفاعلة حول مستقبل الجزيرة لا تزال متجذرة. لكن بالمقابل، حتى لو ظلت إعادة توحيد قبرص بعيدة المنال، فإن قنوات الحوار الجيدة بين تركيا والاتحاد الأوروبي والمجتمعات اليونانية والتركية في قبرص يمكن أن تخلق فرصًا اقتصادية مفيدة للطرفين.
من جهة أخرى، ورغم أن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي لا تزال خطوة بعيدة المنال، إلا أن تحسين العلاقات بين الاتحاد وتركيا يمكن أن يؤدي إلى عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، بما فيها تحرير التأشيرات للمواطنين الأتراك الذين يزورون دول الاتحاد، وزيادة وصول أنقرة إلى الاتحاد الجمركي للاتحاد، وتمديد اتفاق إدارة الهجرة.
ستراتفور
قام الرئيس التونسي، قيس سعيد، في الأول من آب/ أغسطس الجاري، بإقالة رئيسة الوزراء، نجلاء بودن، وعين بدلًا منها "أحمد الحشاني" دون إبداء أي أسباب، في خطوة لا يُرجح أن تؤدي إلى تحسين أداء الحكومة أو توضيح أجندتها. إن هذه الإقالة المفاجئة تعزز وجهة النظر التي ترى أن دور رئيس الوزراء سيظل رمزيًا إلى حد كبير، بينما سيبقى "سعيد" صانع القرار الرئيسي. ورغم عدم تقديم أي تفسير رسمي لإقالة رئيسة الوزراء، ذكرت وسائل الإعلام التونسية أن الرئيس لم يكن راضيًا عن عجز الحكومة في توفير الخبز المدعوم.
يذكر أن رئيس الوزراء الجديد، أحمد الحشاني، هو موظف سابق في البنك المركزي وغير معروف إلى حد كبير للتونسيين، وعند اختيار وزارته، على الأرجح سيتعين عليه الأخذ في الاعتبار خيارات "سعيد" للعديد أو كل الحقائب الوزارية الرئيسية، مثل سلفه إلى حد كبير. نتيجةً لذلك، لا يُتوقع من "الحشاني" أن يضيف الكثير إلى دور رئيس الوزراء ولا أن يظهر الاستقلال عن الرئاسة؛ فحسب ما ورد، أعلن "سعيد" في لقاء مع رئيس وزرائه الجديد عن خطط لمراجعة جميع الترشيحات في الإدارة التونسية على مدى السنوات العشر الماضية، لاستئصال التعيينات الحزبية التي قد تعيق نشاط الحكومة. وهذا يعزز الرأي بأن حكم "سعيد" سيظل يتميز بإجراءات شعبوية تسمح له بتحويل اللوم عن عجز الحكومة عن التعامل مع تحديات البلاد، بينما لن يقدم أي توجه استراتيجي طويل المدى.
إضافةً لما سبق، فإن إقالة "بودن" تسمح لـ"سعيد" بتمرير استئناف نشاط الحكومة مع التركيز على الانتخابات المحلية المرتقبة هذا الخريف، كما إنها قد تنذر برغبة في العمل على إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي، تكون بديلة عن تلك التي تمت الموافقة عليها العام الماضي والتي رفضها "سعيد" لاحقًا. وفي هذا الإطار، سيكون التحدي الأول لرئيس الوزراء هو إعداد ميزانية 2024، وهذا ما سيوفر إرشادات حول العلاقات المستقبلية مع صندوق النقد الدولي. وبالتالي، فإن الافتراض الأقوى لا يزال أن تونس ستسعى للتغلب على المشكلة دون اللجوء للصندوق، لكن هناك فرصة أن محاولات صياغة الميزانية ستكشف عن ضغوط تمويلية لا يمكن التغلب عليها، قد تدفع "سعيد" المتردد إلى دعم صفقة معدّلة مع الصندوق.
أما على المستوى الشعبي فلن يحقق تعيين رئيس وزراء جديد استقرارًا سياسيًا في البلاد، بل سيستمر "سعيد" في الحكم دون السعي إلى توافق في الآراء، ما سيزيد من احتمال انتشار الاستياء السياسي والاجتماعي بشكل أوسع. وبالنظر إلى تصريحات "سعيد" الأخيرة، ستبقى مقاربته مع برنامج صندوق النقد الدولي ثابتة في المستقبل، وسيظل الافتراض الأساسي أنه "لا صفقة" قريبًا.
إيكونوميك إنتيليجنس يونيت