كان هدف الحوثيين من هجماتهم على السفن في البحر الأحمر الإضرار بالاقتصاد "الإسرائيلي"، لكن المعاناة الأكبر ستكون من نصيب كل من مصر والأردن. فإن كانت تلك الهجمات قد تسببت في انخفاض الأعمال التجارية في إيلات (ميناء إسرائيل على البحر الأحمر) بنسبة 85%، فإن هذا الميناء هو الأقل أهمية من الناحية الاقتصادية من موانئ "إسرائيل" على البحر المتوسط في كل من أشدود وحيفا. فمن جهته، قال الرئيس التنفيذي لميناء أشدود، شاؤول شنايدر، في مؤتمر الأعمال العالمي "Globes Israel Business Conference" في الـ19 من كانون الأول/ ديسمبر 2023، إن موظفيه على استعداد للتعامل مع أي سفن شحن يتم تغيير مسارها بعيدًا عن إيلات. وفي كلمته أمام المؤتمر، قال رئيس "شركة الموانئ الإسرائيلية"، عوزي إسحقي، إن "إسرائيل" لم تشهد بعد أي زيادة كبيرة في أسعار الواردات، وأرجع ذلك إلى أن معظم شحناتها تأتي من الغرب وليس من آسيا وبالتالي لا تحتاج إلى طريق البحر الأحمر.
بالمقابل، يعدّ ميناء العقبة (الميناء الأردني المجاور لإيلات) نقطة الوصول الساحلية الوحيدة للأردن، وليس لدى المملكة بديل عنه للواردات والصادرات المنقولة بحرًا. كما إن مصر معرضة للخطر أيضًا؛ حيث من المتوقع أن تخسر دخلًا كبيرًا إذا توقفت السفن عن العبور من خلال قناة السويس. ففي حزيران/ يونيو، سجلت القناة أرباحًا قياسية بلغت 9.4 مليار دولار للسنة المالية 2022-2023، ما يجعلها واحدة من مصادر الإيرادات الأجنبية الأساسية في مصر. وفي المؤتمر المشار إليه سابقًا، قال "إسحقي" إن ما يقرب من 60 سفينة علّقت حتى الآن عبورها عبر قناة السويس، بتكلفة على مصر قدرها 600 ألف دولار لكل سفينة.
فاونديشن فور ديفينس ديمكراسي
سيتضرر الاقتصاد المصري على الأرجح جراء قيام العديد من شركات الشحن والتحالفات الدولية بتعليق العبور من خلال البحر الأحمر وقناة السويس؛ حيث سيؤدي ذلك إلى خفض عائدات مصر من العملات الأجنبية خلال الأسابيع القليلة القادمة على الأقل. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي وإلى زيادة الخلل في الوضع الخارجي. رغم ذلك، من المتوقع أن يتم تقديم دعم أجنبي أكبر من المؤسسات المالية الدولية والحلفاء الإقليميين، لمساعدة مصر على تفادي التخلف عن السداد وتلبية احتياجات التمويل الخارجي على المدى القريب، مع توفير الدعم الخارجي لها بعض الوقت لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها.
كما إن "فرقة العمل البحرية" التي تم الإعلان عنها في الـ18 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي لحماية السفن التجارية بالبحر الأحمر، قد تقلل من تهديدات الحوثيين البحرية في البحر الأحمر، لكنها لن تقضي عليها كليًّا. وبالتالي، فإن فقدان تدفق موارد قناة السويس سيؤثر سلبًا على إيرادات مصر من العملات الأجنبية، ويجسد مخاطر الحرب المستمرة بين "إسرائيل" و"حماس" على الاقتصاد المصري، من خلال انخفاض السياحة والتدفقات المرتبطة بالتجارة (مثل التوقف المؤقت لواردات الغاز لمدة خمسة أسابيع حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، على سبيل المثال لا الحصر).
في السياق ذاته، سيؤدي تقليص حركة المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس إلى انخفاض عائدات الخدمات المصرية بنحو نصف مليار دولار تقريبًا خلال الأسابيع الستة المقبلة. ورغم احتمال اتساع فجوة السيولة الخارجية (مع الأخذ في الاعتبار تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر) إلى حوالي 25% من عائدات النقد الأجنبي المعدلة في الأشهر الـ12 القادمة، فإن ذلك يُعتبر خطرًا سلبيًا على ملف المخاطر السيادية لمصر، لكن دون توقع التخلف التام عن سداد التزامات ديونها الخارجية.
في هذا الإطار أيضًا، تقدر بعض البيانات أن الخسائر اليومية التي تتكبدها مصر من التوقف الكامل للعبور عبر قناة السويس لشركات شحن الحاويات العالمية تصل إلى 13 مليون دولار، على افتراض تعليق جميع خطوط الحاويات لشحناتها. وهذا يعني خسارة ما يقرب من نصف مليار دولار من الإيرادات الضائعة من قناة السويس في ظل توقعات بانقطاعها حتى نهاية كانون الثاني/ يناير. وتأتي هذه الخسارة في وقت حرج بالنسبة لمصر؛ حيث تواجه بالفعل ضغوطًا مستمرة وشديدة خصوصًا على السيولة النقدية.
إس آند ݒي جلوبال ماركيت إنتيليجنس
تشكّل الحرب بين "إسرائيل" و"حماس" في قطاع غزة مخاطر أمنية حقيقية على عمليات الطاقة شرق المتوسط، خصوصًا في "إسرائيل"؛ حيث سيحدّ الصراع من مستوى التكامل بين قطاع الغاز الطبيعي في كل من مصر و"إسرائيل" وقبرص تجاه الصادرات خارج المنطقة. وسوف يزداد هذا المسار سوءًا إذا تحققت المخاوف من تصعيد القتال بصورة كبيرة خارج غزة وأصبح حقيقة واقعة.
ومع ذلك، يبدو التصعيد غير مؤكد في الوقت الحالي؛ حيث تدلّ بعض الإشارات على تحول أوسع في الديناميكيات الإقليمية التي تؤثر على عمليات قطاع الطاقة، إما من زاوية سياسية أو تجارية. من جهة أخرى، قد تخيم السياسة بشكل كبير على صادرات الغاز "الإسرائيلي" إلى مصر، فضلًا عن الكميات الأصغر التي تتدفق إلى الأردن. وكان الغضب الشعبي في كلا البلدين قد تحول في السابق نحو قطاع الطاقة؛ وترجم من خلال هجمات متعددة على البنية التحتية لخطوط الأنابيب في منطقة سيناء في السنوات الأخيرة.
وإن كان هذا الشعور لم يشكل بعد تهديدًا ملموسًا على واردات الغاز من "إسرائيل" من قبل أي من البلدين، لكن هذا الوضع قد يتغير مع مواصلة الحرب واستمرار عدد القتلى المدنيين بغزة في إثارة الغضب الدولي، بالمقابل يُرجح أن تقاوم القاهرة وعمّان قدر استطاعتهما أي ضغوط لوقف الواردات "الإسرائيلية".
ميدل إيست إنستيتيوت
بدلًا من التراجع عن سياستها بتأييد حركة "حماس" علنًا، يبدو أن ماليزيا تضاعف دعمها للحركة؛ فإن كانت حكومة كوالالمبور تتمتع بقدر من الشجاعة والتحدي حاليًا، فقد يقوم "الإسرائيليون" باتخاذ إجراءات (خشنة) ضد نشطاء "حماس" على الأراضي الماليزية، وقد يتم فرض عقوبات أمريكية على "حماس" أو حتى على الحكومة الماليزية. وبالتالي، فإن مشهد اصطفاف ماليزيا إلى جانب الحوثيين قد ينعكس سلبًا على الأسواق المالية؛ فمخاطر الاستثمار في ماليزيا لا يمكن إنكارها الآن، وسنرى إذا كانت كوالالمبور ستدفع الثمن.
إن ماليزيا تلوح بعلم أحمر أمام إدارة "بايدن"، ما يدعو إلى تطبيق أقصى العقوبات التي تستهدف تمويل "حماس" ونقل النفط الإيراني بشكل غير قانوني. وقد ينظر الكونجرس أيضًا في توسيع قوانين مكافحة المقاطعة الفيدرالية الحالية لفرض تكاليف على مشغلي الموانئ الذين يقاطعون السفن "الإسرائيلية".
رغم ذلك، سيكون من الصعوبة بمكان تنفيذ الحظر بشكل فعال؛ فتحديد السفن التي ترفع العلم "الإسرائيلي"، مثل سفينة "زيم"، أمر واضح ومباشر، لكن تحديد البضائع المتجهة إلى "إسرائيل" على متن سفن أو خطوط غير "إسرائيلية" قد يتطلب تكاليف إضافية للتفتيش والنظر في أوراق الشحن. علاوةً على ذلك، لا يبدو أن الحظر يشمل الشحن الجوي أو الشحنات غير المباشرة؛ فعلى سبيل المثال يمكن نقل البضائع عن طريق البر إلى سنغافورة وشحنها بعد ذلك.
إن تغيير طرق الخدمة لتجنب التوقف في كل من ماليزيا و"إسرائيل" سيكون أمرًا مزعجًا لشركات الشحن، لا سيما في ضوء التعديلات المطلوبة بالفعل نتيجة للوضع الأمني في البحر الأحمر. فحتى الآن، قام خط شحن واحد فقط، هو شركة "Evergreen Marine" التايوانية، بإنهاء الشحنات المباشرة إلى "إسرائيل".
بالتالي، فإن تأثير الحظر على التجارة الماليزية "الإسرائيلية" سيكون محدودًا للغاية؛ فقد بلغت قيمة الواردات من ماليزيا إلى "إسرائيل" خلال 12 شهرًا (حتى تشرين الأول/ أكتوبر 2023) 403 ملايين دولار، وهو ما يعادل 0.5% فقط من إجمالي تجارة ماليزيا و"إسرائيل" متضمنةً الشحن الجوي والبحري. ومن غير المرجح أن توسع الحكومة الماليزية عقوباتها لتشمل فرض حظر تجاري على سلع مثل رقائق الكمبيوتر، وهو منتج يتضمن سلسلة توريد عالمية معقدة؛ حيث تعد رقائق الكمبيوتر وقطاع الإلكترونيات أحد أكبر مصادر عائدات النقد الأجنبي في ماليزيا.
من ناحية أخرى، لا يُرجح أن ترد "إسرائيل" بالمثل بتعليق جميع العلاقات التجارية مع ماليزيا؛ لأنها تسعى للحفاظ على دورها في سلسلة التوريد العالمية لأشباه الموصلات. وتتوقع الحكومة "الإسرائيلية" بالفعل أن تقوم بعض حكومات الدول غير المعادية لها ذات الأغلبية المسلمة بإطلاق تصريحات مماثلة، أو اتخاذ تدابير (ربما بشكل مؤقت)، لخفض مستوى العلاقات التجارية لاسترضاء الدوائر الانتخابية المحلية على مدى الحرب بين "إسرائيل" و"حماس". ففي إندونيسيا على سبيل المثال، وهي دولة آسيوية أخرى ذات أغلبية مسلمة ليس لها علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" لكنها تتاجر معها، قد تزيد تعليقات السياسيين المطالبين حكومتهم باتباع الحظر الماليزي، من احتمال قيام الحكومة الإندونيسية بفرض حظر تجاري محدود على "إسرائيل".
فاونديشن فور ديفينس ديمكراسي + إس آند ݒي جلوبال ماركيت إنتيليجنس
وقّع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، إعلانًا من عشر نقاط بشأن "علاقات حسن الجوار" بين البلدين، وأشرفا على توقيع 15 اتفاقية في السابع من كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وتشير هذه الاتفاقات إلى رغبة قوية لإظهار الاستعداد لحل القضايا اليونانية التركية، لتحسين العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، رغم أن الاتفاقات لم تذكر صراحة جمهورية قبرص أو مطالبة تركيا بالجزء الشمالي من الجزيرة. ومن ثم فإن الهدف منها على الأرجح أن تكون بمثابة بادرة حسن نية؛ حيث تحاول الحكومة التركية موازنة علاقاتها بين روسيا والغرب وموقفها من الحرب التي تخوضها "إسرائيل" مع "حماس" في غزة.
كما تعتبر إتاحة السفر بدون تأشيرة لمدة سبعة أيام إلى اليونان تطورًا تحاول الحكومة التركية تحقيقه للمواطنين الأتراك للسفر على نطاق أوسع إلى منطقة "شنغين". علاوة على ذلك، فإن إظهار "أردوغان" نيته لتحسين العلاقات التركية اليونانية ربما يهدف أيضًا لدعم محاولته مع الولايات المتحدة لشراء طائرات "F-16"، بينما تتدهور علاقته مع الحكومة "الإسرائيلية" بقيادة "نتنياهو" في سياق الحرب على غزة.
على صعيد موازٍ، من المرجح أن تركز التطورات التجارية الثنائية على تحسين إنتاج الغاز؛ حيث تتكون التجارة في الغالب من المنتجات النفطية المكررة المتبادلة بين البلدين، وسيسهل تحسين إنتاج الغاز على تركيا الوصول لهدفها المتمثل في أن تصبح مركزًا لنقل الغاز إلى أوروبا، في ظل وجود البنية التحتية لخطوط الأنابيب بالفعل. وهذا يمنح الحكومة التركية فرصة للشراء أو التفاوض في حالة بدء تشغيل خط الغاز بين "إسرائيل" وقبرص واليونان، والذي كان من المتوقع إبرام اتفاقية خط أنابيب له بحلول نهاية عام 2023 بين "إسرائيل" والحكومة القبرصية الجديدة قبل هجوم السابع من أكتوبر على "إسرائيل". كما إن ذلك سيدعم أيضًا هدف تركيا في تنويع مشترياتها من الغاز بعيدًا عن الغاز الروسي، بهدف أن تصبح، على الأقل، مراقبًا في "منتدى غاز شرق المتوسط".
إس آند ݒي جلوبال ماركيت إنتيليجنس