لقد ساعدت الأحداث في الشرق الأوسط الكرملين على إقناع نفسه بأن السياسة الخارجية التي انتهجتها روسيا في السنوات الأخيرة كانت صحيحة؛ حيث شكّل الصراع في الشرق الأوسط أزمة مثالية بالنسبة لروسيا لتجني من خلالها جملة من الفوائد السياسية. إن المواجهة بين "إسرائيل" و"حماس" لم تعزز آمال الكرملين في تغيير المزاج السائد حول الحرب في أوكرانيا فحسب، بل عززت أيضًا اعتقاده بأن نظام العلاقات الدولية الذي يركز على الغرب في حالة انهيار.
لقد كانت الرؤية المهيمنة في الكرملين لفترة طويلة هي الرؤية العالمية التي تتلخص في أنه لا مكان للأخلاق والإيديولوجيات، وينبغي التركيز فقط على مصالح الدولة؛ وهذا المنطق يفترض أنه لن تكون هناك نتيجة أفضل بالنسبة لموسكو من استمرار الصراع في الشرق الأوسط، الذي يدمر استراتيجية الغرب في التعامل مع روسيا، دون أن يكون عليها القيام بأي شيء يذكر؛ فمن غير المرجح أن تنتهي العملية البرية "الإسرائيلية" في غزة قريبًا، وعندما يحدث ذلك ستظل القضايا المستعصية قائمة.
صحيح أن التصعيد في غزة لا يخلو من المخاطر بالنسبة لروسيا، وإذا انخرطت فيه القوات الموالية لإيران فقد يصبح ذلك بمثابة صداع كبير للكرملين؛ لكن هذا لا يعني أنها مستعدة لدعم إيران في حرب مع "إسرائيل"؛ فمثل هذا التطور قد يجبر روسيا على اختيار أحد الجانبين، وستكون له عواقب على تدخل روسيا في سوريا. لكن في الوقت الراهن، لا يُرجح أن يندلع تصعيد عسكري أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط؛ فقد ظلت إيران ووكلاؤها خارج الصراع في غزة حتى الآن، ما يقلل من احتمال تدخلهم في المستقبل.
من ناحية أخرى، يبدو أن رهان موسكو على تفكك النظام الدولي الموجه نحو الغرب قد بدأ يؤتي ثماره؛ فاليوم "إسرائيل" وفلسطين، وغداً يمكن أن تكون تايوان والصين. وعلى هذا النحو، يؤكد الصراع في الشرق الأوسط الفرضية القائلة إن روسيا لا يمكن عزلها، فلم يعد جنوب العالم يثق في الغرب، وهذا ما يوفر فرصًا جديدة لموسكو.
إن كل هذا يعني أن روسيا ستظل لاعبًا سلبيًا في الحرب بين "إسرائيل" و"حماس"؛ فلم يكن لموسكو أي دور في إثارة الأزمة ولن تتمكن من حلها حتى لو أرادت ذلك، كما إن روسيا لا تستطيع حتى أن تلعب دور الوسيط لأن "إسرائيل" تشعر بالتوتر تجاهها بسبب قربها من طهران. والخيار الوحيد المتبقي هو مراقبة الأحداث من مسافة بعيدة وتكرار العبارات "الفارغة" حول حل الدولتين. وعلى جانب آخر، فإن الفوائد التي يجنيها الكرملين من الأحداث في الشرق الأوسط لن تؤدي إلا إلى إقناع النخبة الروسية بأنهم اختاروا الطريق الصحيح.
كارنيجي إندومينت فور إنترناشيونال بيس