استنتاجات الموجز:
- إخفاقات "إسرائيلية" و"سوء تقدير" بأن "حماس" المنشغلة بحصار غزة ومشاكل القطاع لن تخوض مواجهة عسكرية
- مفاجآت المقاومة الكثيرة والمتواصلة أربكت جيش الاحتلال وسط حيرته في سبب إقدام "القسام" على إطلاق شرارة المواجهة
- قلق "إسرائيلي" كبير من حجم ونوع الهجمات المسلحة في الضفة وتأثر المسلحين بالصور القادمة من غزة
بعد انقضاء العدوان "الإسرائيلي" على غزة، بدأت تتكشف جملة الأخطاء والإخفاقات "الإسرائيلية" التي ارتكبها جيش الاحتلال وحكومته، مقابل جملة من المفاجآت التي أعدتها المقاومة للاحتلال، فضلًا عن بداية تململ في الضفة الغربية إيذانًا بموجة جديدة من الهجمات.
فقد توقف "الإسرائيليون" طويلًا عند "سوء تقدير الموقف" الذي ساد في الأوساط الحكومية والأمنية على مدار الأشهر الماضية، ومفاده أن حركة "حماس" المنشغلة برفع حصار غزة ومعالجة مشاكل الفلسطينيين المعيشية والاقتصادية، لن تتجه لخوض مواجهة عسكرية مع الاحتلال، حتى لو كان من أجل الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، ما دفع بمحافل أمنية "إسرائيلية" للمطالبة بمعرفة سبب هذه القراءة الخاطئة لتوجهات "حماس" السياسية والعسكرية.
في السياق، يشار إلى أن الاحتلال بدأ عدوانه الأخير 2021 بما انتهى به عدوان 2014، من خلال المباشرة بقصف وتدمير الأبراج السكنية بهدف بث صور مخيفة لدى الفلسطينيين. ومع مرور الوقت، توقف الاحتلال عن هذه السياسة بعد إعلان المقاومة لمعادلتها الجديدة "القصف بالقصف، والمبنى بالمبنى"، ما يعني أنه أمام كل برج سكني يدمره الاحتلال في غزة سيتم استهداف مبنى مقابله في عسقلان وتل أبيب، وكانت المفاجأة أن سياسة هدم الأبراج السكنية توقفت فجأة، التزامًا من الاحتلال بتهديد المقاومة.
ومع مرور الوقت، لم تتقدم قوات الاحتلال أمتارًا معدودة باتجاه قطاع غزة، رغم كثافة الضربات الجوية والمدفعية، وسط تحذيرات صدرت من أوساط سياسية وعسكرية في تل أبيب من التورط في "المستنقع الغزاوي"، لأن المقاومة لديها من الخطط العسكرية الكفيلة بتحويل جنود الاحتلال في شوارع غزة من "صيادين إلى مصطادين"، يسقطون برصاص المقاومين في معارك يثبتون فيها أن لديهم قدرات عسكرية متفوقة، وستكون العبارة الأكثر تداولًا للجنود المتوغّلين بريًّا "انظر، تحت قدمك توجد حفرة".
بدورها، بذلت المخابرات "الإسرائيلية" خلال العدوان جهودًا حثيثة للوصول إلى شبكة اتصالات المقاومة، لعلها تظفر بمعلومة هنا أو طرف خيط هناك دون جدوى، ما جعلها تقصف العديد من المواقع مرتين وثلاثة، في ضوء "شح" ما تسميه "بنك الأهداف" وعدم تحديثه.
بالمقابل، كشفت "كتائب القسام" عن سلسلة تدريجية من مفاجآتها، جعلت جيش الاحتلال في حالة إرباك حقيقي لكيفية التعاطي معها، وقلق جدي من عدم "نضوب" المفاجآت، واحتمال أن تتواصل مع كل يوم يتواصل فيه العدوان. ولم تجد أوساط الاحتلال الأمنية والعسكرية جوابًا واضحًا عن السبب، الذي دفع "القسام" أن تطلق شرارة هذه المواجهة بتوجيه صواريخها نحو الهدف الأبعد جغرافيًا وسياسيًا، وهي القدس المحتلة، وليس مستوطنات غلاف غزة، كما جرت العادة في كل مواجهة.
ودأبت الآلة الإعلامية والعسكرية "الإسرائيلية" على ترديد عبارة مفادها أن "كتائب القسام" تحوز بضع آلاف من القذائف الصاروخية، بسبب الحصار المفروض على غزة، وعدم وجود معدات ومواد للتصنيع الذاتي فيها. لكن استمرار الكتائب طوال الأيام الأحد عشر من العدوان على إطلاق رشقات صاروخية، بما لا يقل عن 100 صاروخ في الضربة الواحدة، أربك الأوساط الأمنية والعسكرية "الإسرائيلية".
ولم يكن سرًا أن الاحتلال أعلن منذ بداية العدوان أنه يلاحق قادة المقاومة، لاسيما الصف الأول من قيادتها العسكرية. وفي سبيل ذلك نشر معداته التجسسية حول القطاع، وبث معلومات استخبارية لمحاولة الحصول على طرف خيط يوصله إليهم، وسعى إلى تقطيع أوصال غزة لمنع تنقلهم من مكان إلى آخر، حتى وصل به الأمر إلى أن يعترف رسميًا أنه حاول اغتيال قائد أركان القسام، محمد الضيف، مرتين خلال الحرب وفشل فيهما.
واعتمد الاحتلال في عدوانه الأخير على إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المقاتلين الفلسطينيين، من خلال تحويل "أنفاق" المقاومة المنتشرة على طول حدود قطاع غزة الشرقية والشمالية والجنوبية إلى "مقابر" لهم، وهي استراتيجية "الأرض المحروقة" و"عقيدة الضاحية"، وسعى لتنفيذها مساء 13 مايو، لكن المقاومة كانت أذكى منه، فلم تأمر عناصرها بدخول الأنفاق، ما تسبب بإعلان الاحتلال عن فشل العملية.
وأثبتت أحد عشر يومًا من العدوان "الإسرائيلي" على غزة، أن تقديرات الاحتلال الأمنية غير دقيقة، وأن أيامًا كثيرة مرت دون أن تتمكن المخابرات "الإسرائيلية" من معالجة التهديدات القادمة من غزة، وأنّ مزاعمها تأتي للتغطية على فشلها الاستخباري، وعدم تمكنها من الحصول على معلومات أمنية تمكنها من المس بمنصات إطلاق الصواريخ، وهيئات القيادة والتحكم التابعة لـ"كتائب القسّام".
بموازاة ذلك، شكلت الهجمات المسلحة التي أحبطها جيش الاحتلال في الضفة الغربية، قبل أيام دليلًا على القدرة التدميرية المحتملة لأي محاولة هجوم في الضفة؛ لأن بعضها كان يمكن أن تنتهي بقتل "إسرائيليين"، بطريقة لم تكن موجودة منذ فترة طويلة. والاعتقاد السائد في قيادة الجيش بالضفة الغربية أن أي هجوم فلسطيني مسلح يحمل إمكانية عالية، بأن يؤدي لسقوط العديد من القتلى. وقد تم استلام دليل على ذلك بكثرة هذا الأسبوع، من خلال وقوع عدة محاولات لإطلاق نار، ما دفع القوات "الإسرائيلية" لأن تكون في حالة تأهب قصوى.
هذا التخوف دفع أوساط المستوطنين لمطالبة رئيس الوزراء ووزير الحرب بوقف الهجمات، حتى قبل أن تصل إليهم في المناطق المحلية والمفترقات، ونقل الجنود لمراكز المدن الفلسطينية؛ لمواجهة إلقاء قنابل المولوتوف، ما يؤكد أن الوضع الأمني في الضفة الغربية وغور الأردن متوتر للغاية في الأيام الأخيرة. هذا، مع العلم أن هذا القلق "الإسرائيلي" من تسلسل الهجمات المسلحة في الضفة حتى بعد تحقيق الهدوء في غزة، نشأ لأن هناك ديناميكية خاصة بالمسلحين الذين تأثروا بالصور القادمة من غزة، ما يعني أن نجاح الهجمات أمر قائم، وهو ما من شأنه إشعال الضفة الغربية كلها.
لقد شهدت الأيام الأخيرة محاولات مستمرة من الفلسطينيين لتنفيذ هجمات مسلحة، ورغم أن إحباطها لم يظهر مع فيض التقارير الخاصة بالقتال في غزة، لكنها لا تبتعد عن أعين رجال المخابرات في الضفة الغربية. ومثل هذه الهجمات تتردد أصداؤها على شبكات التواصل الاجتماعي، ما يتسبب في إثارة المنطقة من أجل التسبب في ظهور تهديد آخر وضربه.