استنتاجات الموجز:
- خيبة أمل "إسرائيلية" من خسارة معركة الوعي في حرب غزة والجبهة الداخلية "الإسرائيلية" غير مستعدة لحرب متعددة الجبهات
- نبوءة "إسرائيلية" بسقوط الدولة واندلاع حرب أهلية وفلسطينيو 48 يفاجئون الأمن "الإسرائيلي" وسط بدء طي صفحة "نتنياهو" السياسية.
ما زالت الأوساط الأمنية والعسكرية "الإسرائيلية" تعيش تبعات ونتائج العدوان الأخير على غزة، وما أسفر عنه من استنتاجات واستخلاصات على مختلف الأصعدة، سواءً الانتكاسة التي حصلت في كساد الرواية "الإسرائيلية" حول العالم، بجانب انكشاف الجبهة الداخلية أمام حرب متعددة الجبهات بين غزة ولبنان وإيران، وصولًا إلى نبوءة انتشرت كالنار في الهشيم بين "الإسرائيليين" حول سقوط الدولة، وفشل "أسرلة" فلسطينيي 48 بعد سبعة عقود، وتأكد فلسطينيتهم وعروبتهم، وانتهاءً ببدء الحديث عن نهاية عهد "نتنياهو"، وفتح بورصة المرشحين لخلافته.
في التفاصيل، أكدت محافل أمنية أن حسابات الحروب الحديثة لا تتعلق بـ"القضاء على المسلحين" أو "تدمير الأنفاق"، بل عن مسائل أخرى لم تأخذ نصيبها من التخطيط "الإسرائيلي" لمعركة غزة، خاصةً معركة الوعي وحرب الصورة، لأنه بعد انتهاء القتال في الحرب تكرر السؤال مرات عديدة عمن انتصر في المعركة، رغم أن "الإسرائيليين" مصابون بخيبة أمل واسعة لأن "حماس" خلقت تقاربًا بين القدس وغزة، وطالما أن هذا التقارب ثابت في العقل، فإن "إسرائيل" في مشكلة صعبة.
من جانبهم، يستخلص "الإسرائيليون" أن المعركة في غزة لم تنته بعد، لأنه لم يتم التقاط صورة الانتصار في ختامها، ولعل إجراء مقارنة بين حربي 2021 و2014، لا يتوقف عند إحصاء الصواريخ التي أُطلقت على الجبهة الداخلية، ولا عدد القتلى من المسلحين، أو بطول أميال الأنفاق التي دمرت، ولذلك، فإذا لم يتم إعادة أسرى تلك حرب 2014، فإن أي صورة انتصار "إسرائيلية" ستمحى تمامًا. كما أنه في عصر شبكات التواصل، يبدو من الصواب خوض النضال من أجل صورة النصر، رغم أن وزارة الخارجية وأذرع المعلومات الرسمية "الإسرائيلية" أثبتت أنها فاشلة في سياستها الدعائية. ولعل الفشل بدأ في تكرار الناطق باسم الجيش لعبارة "مترو حماس"، ورغم أن المقصود إسرائيليًا هو منظومة الأنفاق تحت الأرض، لكن القراء في لندن أو نيويورك الذين قرأوا أن "إسرائيل" دمرت مترو غزة، ظهرت أمامهم صورة مختلفة تمامًا، وتتمثل بتدمير البنية التحتية المدنية.
في الوقت ذاته، خرجت المحافل العسكرية باستنتاج مفاده أنه في سيناريو عسكري متوقع تنخرط فيه "إسرائيل" في حرب أمام "حزب الله" و"حماس"، فستكون معظم مناطقها تحت تهديد الصواريخ، جنبًا إلى جنب مع التصعيد في الضفة، وتطور جيوب التوتر الأمني داخل المدن العربية في "إسرائيل". مع العلم أنه كان من المقرر أن يخوض الجيش مناورته الضخمة "شهر الحرب" قبل اندلاع حرب غزة، وفي قلب هذا السيناريو المواجهة مع "حزب الله"، بجانب إطلاق الصواريخ من غزة، والتصعيد في الضفة، ما يؤكد مخاوف الجيش من أن الجبهة الداخلية أصبحت مركزية يوجه إليها الأعداء مركز ثقلهم في القتال.
رغم كل هذه المخاوف، فإن استعداد الدولة لهذا التهديد في السنوات الأخيرة ما زال جزئيًا في أحسن الأحوال؛ فقدرات "حزب الله" في الشمال أكبر بكثير، ومعظم المناطق المأهولة في "إسرائيل" مهددة، لأن قوة نيرانه أضعاف "حماس" كمًا ونوعًا ودقةً.
وقد بدا لافتًا في هذه الأجواء الأمنية المتوترة، خروج نبوءة "إسرائيلية" بأن يشهد الاحتلال حالة من الحرب الأهلية، يسبقها اغتيال سياسي لأحد زعمائه، فضلًا عن انتشار ظاهرة هجرة النخب اليهودية، مع توقع هزيمة "إسرائيل" إذا لم يتم اتخاذ خطوات أخرى لازمة، من أجل وضع تعريف محدد لطبيعة الدولة اليهودية. هذه النبوءة التي أصدرها أكاديمي "إسرائيلي" كبير تتوقع اندلاع مواجهة غير متوقعة في موكب يتجه نحو حائط البراق، وتقع حوادث عنيفة بين اليهود، ويُقتل العديد منهم. وفي الوقت ذاته فإن التوقع أن تشهد "إسرائيل" بعد ثلاثة أو أربعة أجيال حالة من بداية التفكك، الذي يبدأ باغتيال القادة اليهود من قبل اليهود أنفسهم، ثم الانتفاضة الأهلية الداخلية.
وهناك احتمال بأن يؤدي التصعيد الداخلي بين اليهود أنفسهم إلى الهجرة العكسية للنخب اليهودية والكفاءات "الإسرائيلية"، من إسرائيل ذاتها إلى الخارج، وفي غضون سنوات أو عقود، ستشهد "إسرائيل" تفككًا بالكامل، وإذا كان لديها أعداء من الخارج سيتغلبون عليها.
في السياق ذاته، أظهرت انتفاضة فلسطينيي 48 فشل سياسة الفصل "الإسرائيلية" بين الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطينيي الداخل، وأنهم سينسون أنهم جزء من الشعب الفلسطيني، مع العلم أن مشاهد مهاجمة العرب واليهود لبعضهم، والخوف من مغادرة المنزل، تشير إلى أن اليهود لا يفهمون حتى الآن كيف أنهم لم يروا إرهاصاته مسبقًا. لقد زعمت المؤسسة "الإسرائيلية" الحاكمة طوال السنوات الماضية أن العلاقات بين اليهود والعرب تتقوى وتتحسن، لكنهم في الوقت ذاته لم يتوقعوا ذلك لأنهم أنكروا حقيقة أن هناك دولتين تعيشان في "إسرائيل"، ولأن اليهود يحبون أن يخدعوا أنفسهم بأن الفصل الذي قطعوه بين فلسطينيي الضفة وغزة مع فلسطينيي الداخل كان ناجحًا.
هذه المزاعم اليهودية جعلتهم ينسون أن الفلسطينيين الذين يعيشون داخل "إسرائيل" جزء من الأمة الفلسطينية نفسها التي تحطمت إلى أشلاء عام 1948. واعتقد "الإسرائيليون" أن الفلسطينيين في "إسرائيل" سينسون هذه الحقيقة مقابل المسائل الاقتصادية، وصوروا لأنفسهم أن لديهم القدرة على إنتاج عمليات "إضفاء الطابع الإسرائيلي" عليهم، وعندما لم يحدث ذلك، فتحوا أعينهم أمام مفاجأة الواقع.
في المشهد "الإسرائيلي" الداخلي، فإن صورة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، باعتباره "سيد الأمن" لم تتعزز، ما يدفع مجددًا إلى البحث عن خليفة له داخل حزبه، مع قرب انتهاء ولايته، ويؤكد أن "حزب الليكود" هو أحد الخاسرين الرئيسيين سياسيًا من حرب غزة، رغم أننا أمام حركة يمينية تركز شعاراتها الانتخابية على قدرتها على الحفاظ على الأمن. فخسارة "الليكود" جاءت من حرب غزة لأنها لم تحسم بالضربة القاضية أمام "حماس"، ولم يُشاهد "الإسرائيليون" مقاتلي الحركة ممددين على الأرض بلا حول ولا قوة، بل استمروا بإطلاق النار بكثافة حتى نهاية الحرب، وبات كل طرف يعلن انتصارًا على الآخر.
صحيح أن استطلاعات الرأي تؤكد أن "نتنياهو" لم يكسب سياسيًا من حرب غزة، لكن الأسوأ، وبالنظر للمستقبل، يشير استطلاع لأعضاء قائمة "الليكود" في الكنيست أنه لا توجد شخصيات يمكن أن تحل محله كقادة ذوي أجندة أمنية، خاصةً على خلفية تراجعه مع قرب انتهاء ولايته، ما يحتم إعادة النظر في عبارة أن "الليكود" هو حزب الأمن "الإسرائيلي"، ومستذكرين أن أحد الشعارات الرئيسة التي استخدمها الحزب في الحملة الانتخابية أن "نتنياهو زعيم قوي لشعب قوي".