استنتاجات الموجز:
تخوفٌ "إسرائيلي" جدي من اغتيال سياسي وشيك وسط تقدير "إسرائيلي" بأن استئناف المواجهة مع "حماس" قائم
تباين المواقف "الإسرائيلية" بشأن صفقة تبادل للأسرى ومسيرة المستوطنين تهدد بإشعال جديد للمنطقة
شهد الأسبوع الماضي تطورات أمنية وعسكرية متلاحقة على الصعيد "الإسرائيلي"؛ داخلية مرتبطة بمخاوف جدية من وقوع اغتيال سياسي، بسبب التحريض السائد بين القوى السياسية على خلفية تشكيل الحكومة الجديدة، وأخرى تتعلق بمسيرة المستوطنين الاستفزازية في المسجد الأقصى، ودورها بعودة الانفجار من جديد، وخارجية تتناول عدم تثبيت وقف إطلاق النار مع "حماس" في غزة، نظرًا لتلكؤ الاحتلال في الالتزام بالشروط المتوافق عليها، ووجود معيقات "إسرائيلية" جدية تعترض إنجاز صفقة تبادل أسرى تسعى إليها المقاومة.
في التفاصيل، زادت التقديرات "الإسرائيلية" مؤخرًا بشأن تنامي احتمالات وقوع اغتيال سياسي إحدى الشخصيات السياسية الهامة، لاسيما في صفوف حكومة التغيير المناوئة لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ويدور الحديث عن أحد قادة حزب "يمينا" الذي يعتبر "بيضة القبان" في إنجاح الحكومة الجديدة. في هذا الإطار، كان لافتًا أن يصدر رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" نداف أرغمان، رسالة عامة للرأي العام "الإسرائيلي" يطالب فيها بوقف التحريض السائد على شبكات التواصل، وكبح جماح سيل الشتائم والتهديدات والتخوين، في ظل تقديره بأن هذه الأجواء تحرض على ترجمة هذا العداء إلى سلوك ميداني يتمثل بإيذاء جسدي.
جدير بالذكر أن هذه الأجواء المسمومة من التحريض المتبادل عاشها الاحتلال سابقًا، عشية اغتيال "إسحق رابين" في تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، حين اتهموه بالخيانة، وتسليم "أرض إسرائيل" للفلسطينيين، واليوم تعاد ذات التهم ضد "نفتالي بينيت" الذي منح ما يصفونها "حكومة اليسار" الغطاء البرلماني والقانوني. هذا، مع العلم أن حدوث مثل هذا الاغتيال يعني دخول "إسرائيل" نفقًا سياسيًا وأمنيًا كبيرًا، تتمثل نتائجه بإفشال إعلان الحكومة الجديدة من جهة، وبقاء "نتنياهو" رئيسا للحكومة من جهة أخرى، واتجاهًا "إسرائيليًا" أكثر نحو اليمين من جهة ثالثة. وهو سيناريو يتحضر له "الإسرائيليون"، لكن يبدو أن "نتنياهو" مستعد أن يقبل به دون مغادرته منصبه، لأن البديل سيكون ذهابه إلى السجن وليس إلى البيت، بسبب رفع الحصانة عنه والتحقيق معه في قضايا الفساد كمواطن عادي.
على الصعيد الخارجي، تراجعت فرص تثبيت وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال عقب انتهاء العدوان الأخير على غزة، بسبب تمنع الاحتلال في التسليم بالشروط المتوافق عليها، لاسيما إعادة الإعمار، وتقديره أن الحرب انتهت بواقع الضغوط الأمريكية دون أن ينهي الجيش ما يعتبره بنك أهدافه في غزة. كما تزايدت المؤشرات على مماطلة الاحتلال في تثبيت التهدئة غير المعلنة، من خلال رفضه إدخال المنحة المالية القطرية الشهرية، بل إنه شن حملة إعلامية تشويهية ضد قطر، بزعم أنها تدعم الإرهاب، وما زال يغلق المعابر مع القطاع منذ شهر كامل، ويواصل التمنع في الشروع بإعادة الإعمار من خلال عدم السماح بدخول مواد البناء.
في السياق ذاته، يواصل جيش الاحتلال التحرش بالمقاومة في غزة، من خلال التعرض للصيادين في عرض البحر، وإطلاق النار عليهم بصورة يومية، وإرسال طائرات مسيرة صغيرة إلى قلب القطاع بأعداد كبيرة، لى غير العادة. وقبل ذلك وبعده، أصدر الوسيط المصري مؤشرات سلبية على عدم تعاون الاحتلال معه، في إنجاز ما تم الاتفاق عليه خلال مباحثات وقف إطلاق النار.
كل ما تقدم يعطي مؤشرات سلبية ومقلقة حول إمكانية فرص تجدد المواجهة لأسباب عديدة محتملة، داخلية وخارجية، لكن المحصلة أن الوضع الأمني في غزة غير مستقر، وأن الاستنفار الأمني على حاله، والتقدير السائد أن الاحتلال قد يقتنص فرصة ثمينة لاصطياد رأس ثقيلة العيار في المقاومة، وبذلك يحصل على صورة الانتصار التي لم يظفر بها خلال أيام العدوان.
في شأن ذي صلة، طفت على السطح في الأيام الأخيرة أحاديث متباينة حول قرب إبرام صفقة تبادل أسرى بين المقاومة والاحتلال، لاسيما مع تزايد الإشارات الصادرة عن المقاومة والوسطاء و"الإسرائيليين" بأن هذه المسألة قد تكون مفتاحًا لحل كل القضايا العالقة. بدوره، يشترط الاحتلال مقابل أي تسهيلات إنسانية ذات قيمة في غزة والشروع بإعادة الإعمار وإدخال المنحة القطرية، حدوث تطور ملحوظ في موضوع الصفقة. بالمقابل، ترفض المقاومة رفضًا باتًا الربط بين الواقع المعيشي الصعب في غزة، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، وبين الموقفين المتعارضين يسعى الوسطاء للعثور على مسافة وسطى بينهما.
والحقيقة أن هناك جملة معيقات تعترض إنجاز صفقة تبادل الأسرى، على الأقل حاليًا؛ فالحكومة "الإسرائيلية" الحالية توشك أن تغادر المشهد السياسي، وإن لم تغادره ستبقى عرجاء غير قادرة على اتخاذ قرارات كبيرة بهذا الحجم. وفي حال حصلت الحكومة الجديدة على مصادقة الكنيست، فإن تبايناتها الداخلية وتناقضاتها الواسعة، تحول دون التوافق بين مكوناتها على إطلاق سراح كبار الأسرى الفلسطينيين.
كما إن هناك معطى فلسطينيًا يخص المقاومة ويتعلق بعدم إصدار أي مؤشر على طبيعة وضع الأسرى الإسرائيليين لديها، والمقصود هنا الجنديين اللذين أسرتهما خلال حرب 2014، أما الأثيوبي والبدوي فلا يبدو أن الاحتلال لديه رغبة بدفع أثمان باهظة لاستعادتهما، ما قد يستدعي من المقاومة تحريك هذا الماء الراكد على غرار ما كشف عنه من تسجيل صوتي لأحد الأسرى، على أن يكون يهوديًا خالصًا ذا عيون زرقاء، هذه الإشارة وحدها، إن تحققت، كفيلة بتحريك جدي لمفاوضات الصفقة.
على الصعيد العام، بدأ العد التنازلي في هذه الأيام لاستئناف تنظيم مسيرة المستوطنين اليهود في ساحات المسجد الأقصى، بعدما تم إلغاؤها قسرًا من خلال صواريخ المقاومة يوم 10 أيار/ مايو، 28 رمضان، في أول أيام الحرب الأخيرة، ومن المتوقع أن يشارك في هذه المسيرة آلاف اليهود، رغم مخاوف الجهات الأمنية "الإسرائيلية" من تسببها بانفجار الموقف مجددًا.
من جانبها، تشعر الأوساط السياسية "الإسرائيلية"، الحكومية بالذات، أن هناك تراجعًا في الموقف الرسمي للدولة في حالة خضعت للضغوط الفلسطينية، التي تهدد بتجدد المواجهة العسكرية، في حال سمح الاحتلال للمستوطنين بتنظيم مسيرتهم الاستفزازية، ما يعني تصدعًا في مشهد سيادة الدولة على القدس المحتلة. وفي الوقت ذاته، تخشى هذه الأوساط المضي قدمًا في الاستجابة لمطالب شركاء الائتلاف الحكومي، خاصةً الصهيونية الدينية، بتنظيم المسيرة حتى لو أسفر ذلك عن اشتعال المنطقة.
ومن الواضح أن الموقف الحكومي والسياسي والأمني ليس متفقًا على رأي موحد، حيث يؤيد "نتنياهو" وشركائه اليمينيين وجهاز الشرطة تنظيم المسيرة، بينما يرفضه الجيش وحزب "أزرق-أبيض" بوزيريه الحرب، غانتس، والخارجية، أشكنازي، نظرًا للتبعات المتوقعة خاصةً مع دخول الولايات المتحدة على الخط، ودعوتها لعدم القيام بأحداث من شأنها عودة التوتر مجددًا.