استنتاجات الموجز:
مساعٍ روسية لتعديل خريطة السيطرة الميدانية في إدلب لصالح النظام بذريعة وجود تنظيمات متشددة في المحافظة
خيبة أمل دولية من التعنت الروسي إزاء الأزمة الإنسانية وعدم قبول دخول المساعدات وسط تحذيرات من تدهور الأوضاع الإنسانية
محاولات لإطلاق منصة سياسية معارضة تحظى بقبول دولي لتصدر مشهد المعارضة بأروقة الحل السياسي
كعادتهما قبيل كل جولة جديدة من محادثات أستانة، التي ستعقد نسختها القادمة في العاصمة الكازخية نور سلطان في السادس من تموز/ يوليو المقبل، يقوم الروس والنظام السوري بالضغط على الأتراك لتقديم تنازلات، عبر تجديد روسيا وقوات النظام بخرق هدنة وقف إطلاق النار شمال غرب سوريا. وفي خطوةٍ روسية تهدف لتعديل خريطة السيطرة على الأرض لصالح النظام، بحجة وجود تنظيمات إرهابية بمحافظة إدلب، عاد التصعيد العسكري ليسيطر على المشهد الميداني في المحافظة، حيث استهدفت قوات النظام والقوات الروسية عددًا من المناطق بجبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي وبلدة الأتارب بريف حلب الغربي، إضافةً لمناطق بسهل الغاب بريف حماة وبعض مناطق ريف اللاذقية.
وتتوالى المؤشرات الميدانية على أن إدلب ومحيطها تتجه إلى تصعيد عسكري واسع، في ظل جمود في الحراك السياسي وقبيل بحث تجديد آلية إدخال المساعدات الدولية في مجلس الأمن الدولي، مع استهداف قوات النظام جنودًا أتراكًا في إدلب، عقب انتهاء زيارة لمسؤول روسي رفيع المستوى لدمشق. واستهدفت قوات النظام النقطة التركية في "تل بدران" في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، كما استهدفت قوات النظام محيط النقطة التركية في بلدة الأتارب بريف حلب الغربي، وهو ما أدلى لإصابة عدة عناصر من الجيش التركي وأضرار مادية. بالمقابل، ردت القوات التركية المتمركزة بجبل الزاوية بقصف مدفعي طال مواقع لقوات النظام بريف إدلب الجنوبي، كما ردت القوات التركية المتمركز بريف حلب على قوات النظام، حيث أدى القصف إلى مقتل عدد من عناصر النظام.
وأمام هذا الواقع المستجد وإمكانية توسع الاشتباكات والقصف الجوي والمدفعي، تلوح في الأفق بوادر أزمة إنسانية جديدة في إدلب؛ حيث أدى تجدد القصف والعمليات العسكرية إلى موجة نزوح جديدة من المنطقة بعد نزوح أكثر من 400 عائلة، توجهت إلى المناطق المجاور الأكثر أمنًا، في ظل ظروف معيشية صعبة، ومن المتوقع أن تتصاعد أكثر في حال استمرار القصف.
ورغم التصعيد العسكري في إدلب، إلّا أنّ قوات النظام قامت في الفترة الأخيرة بنقل أكثر من 500 عنصر من قواتها، المتواجدة على خطوط التماس مع نقاط تمركز المعارضة في إدلب، إلى مناطق بالبادية السوريّة، لتعزيز نقاطها العسكرية هناك، بغية القضاء على خلايا تنظيم "داعش"، التي تعاظم نشاطها في البادية التي تُسيطر عليها قوات النظام والمجموعات التي تدعمها روسيا وإيران.
وتزامن نقل تلك العناصر مع شن سلاح الجوي الروسي ما يزيد عن 45 غارة جوية، على طريق أثريا ببادية حماة ومحيطها وغرب محافظة ديرالزور والرقة، مستخدمةً صواريخ شديد الانفجار، بحُجة وجود مغارات وكهوف تتخذها "داعش" في المنطقة. وعملت قوات النظام على تمشيط المنطقة وباديتها بشكلٍ كامل، دون تمكنها من أسر أو قتل أي عنصر من التنظيم، واقتصرت الحملة على تفجير ونسف بعض الكهوف والمغارات التي كان يتخذها التنظيم أوكارًا له في وقت سابق.
في الأثناء، وصلت تعزيزات عسكرية للتحالف الدولي ضد "داعش"، الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى إحدى القواعد العسكرية بريف الحسكة قادمة من إقليم كردستان العراق، حيث استقدمت حوالي 30 شاحنة تحمل مختلف أنواع الأسلحة والذخائر والمعدات اللوجستية، إضافةً لسبعة صهاريج نفط.
إلى ذلك، أكد المتحدث باسم التحالف الدولي، واين ماروتو، مواصلة قوات التحالف تسيّر الدوريات شمال شرق سوريا من أجل ضمان الأمن والاستقرار، ولمحاربة خلايا "داعش" في المنطقة التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وتزامن هذا التصريح مع إرسال القوات الروسية تعزيزات عسكرية إلى منطقة عين عيسى بريف الرقة. توازيًّا، أجرى الجنود الأمريكيين تدريبات عسكريّة مع عناصر "قسد" في مناطق شمال شرق سوريا على مهام المحارب، للحصول على المهارات والقوة والدقة والقدرة على التحمل اللازمة لأداء مهمتهم.
من جانبٍ آخر، اعترض جنود روس دوريّة أمريكيّة مؤلفة من أربع مدرعات على طريق "إم-4" بريف الحسكة، حيث اضطرّت الدورية الأمريكيّة للعودة إلى القاعدة العسكرية الأمريكية بالمنطقة، بسبب مخالفتها البروتوكولات الأمنية ولآليات فض الاشتباك القائمة بين العسكريين الروس والأمريكيين.
وفي ظل التصعيد العسكري في أكثر من منطقة، تتزايد الأوضاع الإنسانية سوءًا في مناطق النظام، ومناطق سيطرة المعارضة، نتيجة أزمة المعابر وإدخال المساعدات الغذائية إلى سوريا، حيث تُصر روسيا على عدم حصر إدخال المساعدات الغذائية الأممية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى، على الحدود التركيّة السورية فقط، وتريد إدخالها عبر معابر للنظام، إذ تحاول روسيا الضغط لحل أزمة النظام الاقتصاديّة عبر المعابر، وحصر توزيع جميع المساعدات الإنسانيّة بيد النظام.
ووفق التصريحات والتسريبات التي أعقبت القمة الأمريكية الروسية في جنيف، لم تحمل القمة جديدًا حول القضية السورية، حتى بشأن المعابر الإنسانية التي أكثرت الولايات المتحدة من الحديث عنها خلال الفترة الأخيرة. وأكّد مسؤول كبير في الإدارة الأمريكيّة أنّ واشنطن لم تحصل على التزام من موسكو، بشأن عمليات تسليم مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود السورية، خلال القمة التي جمعت الرئيسين الأمريكي والروسي. من جانبه، أصدر البيت الأبيض بيانًا قال فيه إن "هناك إمكانية لتعاون أمريكي روسي لفتح الممرات الإنسانية في سوريا، في مسعى لتخفيف الأزمة التي تعانيها".
في السياق، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إن تجديد آلية المساعدات العابرة للحدود في سوريا هو أمر ضروري ويحظى بأولوية لأنه سينقذ حياة الكثيرين، مؤكّدةً أنها ستعمل بشكل حثيث لتجديد آلية إدخال المساعدات، لأنه لا يوجد أي خطط بديلة عن ذلك. بدوره، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطوينو غوتيريس، من استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا، مناشدًا الدول الأعضاء في مجلس الأمن بتجديد الآلية العابرة للحدود والتي تنتهي مدتها الشهر القادم، مشيرًا إلى أن الوضع الإنساني للكثير من السوريين هو الأسوأ منذ بدء الصراع. يذكر أن هذا هو الاجتماع الأخير قبل التصويت على التمديد للقرار 2533 (2020)، حول تقديم المساعدات العابرة للحدود لشمال شرق وشمال غرب سورية، الذي ستنتهي صلاحيته في الـ11 من الشهر القادم.
في الشأن السياسي، عادت فكرة إنتاج منصة جديدة للمعارضة السورية إلى الواجهة، في ظل الاستعصاء الذي تعيشه العملية السياسية لإيجاد حل للأزمة؛ حيث ستعقد شخصيات معارضة مؤتمرًا جديدًا في جنيف في الـ21 آب/ أغسطس المقبل، عنوانه "مؤتمر سوري-سوري لاستعادة السيادة والقرار"، ربما يكون حجر أساس لمنصة جديدة تحظى بقبول أغلب الأطراف الدولية، في محاولة لتصدر مشهد المعارضة في أروقة الحل. ويأتي هذا بالتوازي مع محاولات لإصلاح وإعادة ترميم منصات المعارضة الحالية، التي تتعارض في وجهة نظرها مع "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية".