استنتاجات الموجز:
فشل مفاوضات التهدئة وإصرار النظام على اقتحام درعا البلد مؤشر على مواجهةٍ مفتوحة قد تخلط أوراق الجنوب السوري برمته وتعيده إلى المربع الأول
اصطفاف "قسد" ودعمها "العمال الكردستاني" يضع الحوار الكردي الداخلي على المحك وينذر بتعقيد المشهد الكردي وتشكيل مرجعية موحده
محاولات إيران مزاحمة النفوذ الروسي الاقتصادي بسوريا تعني ازدياد التنافس بينهما على المشاريع الاقتصادية وإعادة الإعمار
يخوض أهالي درعا وما تبقى من قوات المعارضة المسلحة في الجنوب السوري معارك ضارية، لمنع سقوط مدينة درعا البلد بأيدي قوات النظام، إثر هجمات شنتها الأخيرة من ثلاث محاور على المدينة، بعد حصار دام أكثر من 40 يومًا، في تصعيدٍ كبير حمّلت المعارضة إيران والنظام المسؤولية عنه وعن مآلاته المستقبلية، ما يُنبؤ بأن المنطقة الجنوبية ذاهبة باتجاه عمليات عسكرية كبرى، بعد رفض النظام لعدة اتفاقات تهدئة مع الأهالي والمسلحين برعاية روسية.
في السياق، واصلت قوات النظام الضغط العسكري على الأهالي في درعا مع تعثر المفاوضات بين الجانبين، واستقدمت تعزيزات عسكرية ضخمة إلى المنطقة تزامنًا مع اشتباكات على عدة محاور وعلى أطراف الأحياء المحاصرة، واستهدفت بالمدفعية الثقيلة والصواريخ عدة بلدات بشرق درعا وريف درعا الغربي، من مواقع تمركزها في "كتيبة المدفعية 285"، إضافةً لمواقعها المتمركزة في "اللواء 12" بمدينة أزرع. بالمقابل، استهدف مجهولون بالرصاص سيارة عسكرية لقوات النظام على طريق السويداء - أزرع، ما أسفر عن مقتل وجرح جميع العناصر الذين يستقلونها، فيما فجّر ثوار درعا بناء حاجز السرو بريف درعا الشرقي، منعًا لتحصن قوات النظام فيه مجددًا بعد انسحابها قبل أيام.
يأتي ذلك مع التعثر المتواصل وفشل جميع جولات التفاوض، بين لجنة التفاوض المحلية بدرعا وممثلي النظام برعاية روسيّة، بشأن التوصل لاتفاق يوقف الحملة العسكرية على درعا البلد والمحافظة. وذلك بسبب إصرار رئيس اللجنة الأمنيّة بالجنوب، حسام لوقا، ومسؤول الأمن العسكري، لؤي العلي، على اقتحام المنطقة وتنفيذ مطالب النظام كاملة، رغم زيارة وزير دفاع النظام لدرعا واجتماعه مع وفد من المسؤولين الروس لبحث المستجدات بملف درعا.
من ناحيتها، حذرت اللجان المركزية المفاوضة من الهيمنة الإيرانية، داعيةً المعارضة إلى الانسحاب من المفاوضات مع النظام إن لم يُرفع الحصار عن درعا البلد، ومطالبةً روسيا باحترام التزاماتها بصفتها الدولة الضامنة لاتفاق التسوية عام 2018. وكانت "اللجان" قدمت مقترحًا جديدًا للنظام، بعد فشل جميع جولات التفاوض، يقضي بنشر قوات عسكرية تابعة "للفرقة 15" والأمن العسكري، إلى جانب عناصر من "اللواء الثامن" في عدة أحياء بدرعا البلد، إضافةً لإجراء عمليات تفتيش محدودة بحضور أعضاء لجان التفاوض. من جهتها، رفضت لجنة المفاوضات جميع المطالب الروسية التي كان أبرزها تسليم السلاح، وتهجير بعض الشبان إلى الشمال السوري، ونشر حواجز لـ"الفرقة الرابعة" داخل درعا البلد، ومنع نشر حواجز عسكرية داخل درعا البلد لـ"اللواء الثامن". بدورهم، أصدر وجهاء درعا بيانًا طالبوا من خلاله المجتمع الدولي بالوصاية، ونشر قوات دولية داخل محافظة درعا.
دوليًا، شجبت وزارة الخارجية الأمريكية هجوم النظام على درعا ووصفته بـ"الوحشي"، داعيّةً "لإنهاء فوري للعنف الذي قتل المدنيين وتسبب بتشريد الآلاف الذين يعانون نقص الغذاء والدواء". كما دعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى ضرورة حماية المدنيين بدرعا، مُشيرًا إلى أنّ جنوب غربي سوريا يشهد "أسوأ وأخطر أعمال عنف منذ عام 2018"، منبهًا لوجود "خطر جسيم من حدوث تصعيد عسكري بدرعا".
على صعيدٍ آخر، جدّدت قوات النظام خرق وقف إطلاق النار شمال غرب سوريا، واستهدفت بالمدفعية الثقيلة والصواريخ مدن وبلدات بريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي. ترافق ذلك مع شن الطيران الحربي الروسي غارات جديدة على منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، قرب النقطة العسكرية التركية في المنطقة وتلال الكبانة بجبل الأكراد باللاذقية. بالمقابل، كثفت فصائل المعارضة بإدلب ومحيطها من قصفها المدفعي والصاروخي، لتجمعات ومعسكرات وثكنات قوات النظام والمجموعات الإيرانية بريف إدلب الجنوبي، وريف حماة الغربي، موقعةً جرحى في صفوف عناصر النظام، إضافةً لتدمير بعض الآليات العسكرية. وذلك ردًا على الغارات الجوية الروسية والمجازر المرتكبة بحق الأهالي، ضمن المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة شمال غرب سوريا.
بموازاة ذلك، يُهدّد اصطفاف "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) إلى جانب "حزب العمال الكردستاني" الحوار الكردي – الكردي المتوقف حاليًّا بسبب تباينات وخلافات بين أطرافه، وعلى رأسها مسألة الارتباط بـ"حزب العمال". وفتحت التصريحات التي أكّد فيها "محمود برخدان" القيادي بـ"قسد" دعم واصطفاف "قسد" مع "حزب العمال"، في أي اقتتال بين الأخير و"قوات البيشمركة" بإقليم كردستان العراق، الباب مجددًا أمام أسئلة كثيرة حول المرجعية السياسية والعسكرية لهذه القوات، ومدى ارتباطها بمنظومة "حزب العمال" في المنطقة عمومًا، وبأهداف "قسد" ومصير الحوار الكردي الداخلي. واستدعت تصريحات "برخدان" استنكار "المجلس الوطني الكردي السوري" المدعوم سياسيًّا من كردستان العراق، معتبرًا أنّ هذه التصريحات تزيد التوتر والقلق لدى الشعب الكردي، وتستهدف خصوصيته في سوريا وقضيته القومية، مؤكّدًا أنّ الحوار الكردي أصبح على المحك وربما بات بخطرٍ كبير.
ومن المرجح أن تزيد هذه التصريحات المشهد الكردي السوري تعقيدًا، في ظلّ مراوحة الحوار بين "المجلس الوطني الكردي" و"حزب الاتحاد الديمقراطي"، مكانها منذ أواخر العام الماضي، بعد فشل الطرفين في الخروج باتفاق بشأن تشكيل مرجية سياسية واحدة للأكراد السوريين، وفق رغبة واشنطن تمثلهم في الاستحقاقات السياسية، رغم خوضهما جولات تفاوضية عدة. وتشكل العلاقة بين "حزب الاتحاد الديمقراطي"، المهيمن على "قسد" عن طريق ذراعه العسكرية "الوحدات"، وبين "حزب العمال" عقبة كبيرة في طريق الوصول لاتفاق.
من جانبٍ آخر، جدد التحالف الدولي التزامه بدعم "قسد"، بعدما أكّد قائد قوات هذا التحالف، بول تي كالفيرت، أنّ "الشراكة بين التحالف و"قسد" مستمرة، للقضاء على "داعش". وجاءت تأكيدت "كالفيرت" خلال الاجتماع السنوي لمجالس "قسد"، الذي عقد بمدنية الحسكة، بمشاركة قادة القوات والمجالس العسكرية في "قسد"، ووفد من التحالف الدولي، ومسؤولي "الإدارة الذاتية"، وبحث "التطورات الميدانية والعسكرية والسياسية التي تشهدها سوريا والمنطقة، وعمليات مكافحة الإرهاب وسبل ترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيز النمو الاقتصادي في شمال وشرق سوريا". ودعا المجتمعون النظام إلى "ضرورة المساهمة في إيجاد حل دائم للأزمة السورية والتفاوض مع "الإدارة الذاتية"، على مبدأ الاعتراف بهذه الإدارة والقبول بخصوصية "قسد". وما هذا الاجتماع إلّا دليل على مدى سعي هذه القوات لتكريس وجودها كلاعب، لا يمكن تخطيه في أي معادلة لحل الأزمة السورية.
في غضون ذلك، ازداد التنافس الاقتصادي الروسي الإيراني في سوريا؛ حيث تحاول طهران مجاراة موسكو في عقد اتفاقيات ومشاريع تبادل تجاري مع النظام السوري. وعقدت إيران لهذه الغاية اجتماعًا ضم رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، والوفد المرافق له لدمشق، ووزير التجارة بحكومة النظام، محمد الخليل، بحضور 50 تاجرًا ورجل أعمال سوري، لبحث تطوير العلاقات ورفع التبادل التجاري، حيث طالب التجار السوريون بـ"التحول لشركاء بالقطاعات الصناعية.
وتعهدت دمشق "بتحريك الاتفاقات الست الموقعة مع طهران"، وزيادة التبادل التجاري رغم "اعتراض بعض التجار السوريين على الحمائية الإيرانية"، فيما وعدت إيران، خلال الزيارة، بتقديم "المساعدات بمجالات النفط وتسهيل التجارة لطهران"، فضلًا عن التعهد بـ"تقديم العون لسوريا خلال عملية إعادة الإعمار".
في شأنٍ منفصل، كلّف رئيس النظام، بشار الأسد، مجددًا رئيس الوزراء الحالي، حسين عرنوس، بتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن تحولت إلى "حكومة تسيير أعمال"، عقب فوز "الأسد" بالانتخابات الرئاسية التي جرت في أيار/ مايو الماضي.
لقراءة وتحميل الموجز/ اضغط هنا