استنتاجات الموجز:
تعثر مفاوضات درعا وعدم وجود خريطة طريق يُنذر بتوجه المنطقة للمجهول في ظل ضغط روسي على أهاليها وسط تعنت وإصرار النظام على إخضاع الجنوب بالقوة
محاولات "الإدارة الذاتية" الحصول على اعتراف دولي يشير لاستكمال التحضيرات لبناء كيان كردي وحكم ذاتي شرق سوريا.
الاحتجاجات المطلبية بمناطق النظام دليل على تفاقم الوضع الاقتصادي وتدهور الحالة الاجتماعية والمعيشية
مع اقتراب درعا البلد ومناطق وقرى بمحافظة درعا جنوب سوريا من إنهاء شهرين من محاصرة قوات النظام والمجموعات الإيرانية لها، لم تفلح الجهود الروسية في التوصل لإبرام اتفاق ينهي الحصار ويمنع شبح الحرب مجددًا في المنطقة الجنوبية. كما لم يستطع الضامن الروسي وضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة، فيما تتعدّد السيناريوهات المطروحة وتختلف الفرضيات حول مصير الجنوب السوري، إثر تعنت النظام وإصراره مع المجموعات الإيرانية على إخضاع درعا بالقوة، وتسليم السلاح وتهجير بعض المقاتلين من المنطقة إلى الشمال السوري.
وتتجه الأمور في درعا نحو المجهول بعد تعثر المفاوضات بين لجنة المفاوضات الممثلة عن أهالي درعا البلد، وبين الوفد الذي يضم ضباطًا روسيين وآخرين من قوات النظام، مع استمرار رفض خريطة الحل التي عرضتها موسكو مؤخرًا، بسبب البنود التعجيزية في ورقة الحل الروسي. وتبدو الخيارات أمام أهالي درعا ضيّقة، وقد لا يكون أمامهم سوى اللجوء إلى خيار التهجير الجماعي، في ظلّ ضغط روسي لفرض خريطة الحل التي وضعها الجنرالات الروس للخروج من الأزمة المحتدمة، والتي تضمنت بنودًا مجحفة ويمكن أن تكون مدخلًا واسعًا لقوات النظام والمجموعات الإيرانية، للفتك بآلاف المحاصرين في درعا البلد.
وتنص "خريطة الحل" الروسية على تسليم المعارضة كل أنواع السلاح الخفيف والمتوسط، وعودة المنشقين عن قوات النظام إلى ثكناتهم العسكرية، والتحاق المتخلفين بالخدمة الإلزامية العسكرية فورًا، ودخول قوات النظام والمجموعات الداعمة لها إلى الأحياء المحاصرة، وتهجير كل من يرفض هذه الشروط إلى الشمال السوري. وكانت الفعاليات والتجمعات الشعبية والمعارضة في درعا أصدرت بيانات، أكدت فيها رفض خطة الحل الروسية وطالبت موسكو بإلزام قوات النظام بعدم الدخول إلى المناطق التي نص اتفاق التسوية عام 2018 على منع الانتشار العسكري والأمني للنظام فيها، كما حثت المجتمع الدولي والدول الإقليمية على تحمل مسؤولياتها تجاه مناطق الجنوب. هذا، فيما شهدت عدة مناطق في محافظة درعا تظاهرات ووقفات احتجاجية رفضًا لخريطة الحل الروسية.
ميدانيًا، تجددت الاشتباكات بين قوات النظام والمجموعات الإيرانية ومسلحين من أهالي درعا البلد، على عدة محاور جراء محاولة قوات النظام التقدم في المنطقة، فيما دارت اشتباكات وقصف متبادل بين الطرفين في مناطق عدة بريف محافظة درعا، إضافةً لقصف عنيف براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة على بلدات وقرى بمناطق متفرقة من درعا وأريافها.
وتزامنت الاشتباكات مع استقدام "الفرقة الرابعة" تعزيزات عسكرية على تخوم ريف درعا الغربي، كما سحبت قوات النظام مجموعات من عناصرها وآلياتها بريف درعا، وقامت بتجميعها في نقطة واحدة بهدف تأمين قواتها وحماية نقاطها من هجمات المسلحين. وحاولت مجموعات محلية مقاتلة التخفيف من الضغط على أحياء درعا البلد، من خلال مهاجمة حواجز ونقاط عسكرية لقوات النظام والأجهزة الأمنية في مناطق عدة داخل محافظة درعا.
في غضون ذلك، ما زال تنظيم "داعش" قادرًا على شن هجمات مؤلمة ضد قوات النظام والمجموعات المدعومة من روسيا وإيران، في بادية دير الزور والرقة وحمص شرق سوريا؛ حيث نفذت خلايا التنظيم هجمات مباغتة ضد قوات النظام والمجموعات الإيرانية، فقدت على إثرها قوات النظام الاتصال بمجموعات من الشرطة العسكرية التابعة لها بريف الرقة الشرقي، بعد خسائر بشرية جراء هجوم من خلايا التنظيم شرق دير الزور. هذا، فيما نفذ النظام والطيران الحربي الروسي جولة جديدة من الغارات الجوية المكثفة، على مناطق متفرقة من البادية يرجح أنها مناطق نفوذ لخلايا "داعش".
توازيًّا، شهدت المنطقة استنفارًا أمنيًا لقوات النظام، في حين أرسلت مجموعات "فاطميون" التابعة لـ"الحرس الثوري الإيراني"، تعزيزات عسكرية إلى بادية حمص، بهدف شن حملة عسكرية جديدة ضد خلايا التنظيم، إثر الهجمات الأخيرة لعناصره التي أوقعت قتلى وجرحى من المجموعات الموالية لإيران.
من جهتها، واصلت قوات النظام و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) قصفها لمناطق النفوذ التركي في الشمال السوري؛ حيث تعرضت مدينة عفرين بريف حلب الشمالي لقصف صاروخي عنيف من مناطق تُسيطر عليها "قسد" وقوات النظام بريف حلب الشمالي، ما تسبب في مقتل وجرح عدد من المدنيين واحتراق عدد من السيارات ومحطات لبيع المحروقات. بالمقابل، ردّت مدفعية الجيش التركي بقصف مواقع "قسد" بريف تل رفعت ومنبج، وفي محيط تل تمر بريف الحسكة، حيث قُتل وجرح عدد من عناصر "المجلس العسكري لبلدة تل تمر" التابع لـ"قسد"، إثر استهداف طائرة تُركية اجتماعًا لأعضاء المجلس بمنى العلاقات العسكرية بالبلدة.
إلى ذلك، تبادلت قوات النظام وفصائل المعارضة العسكرية القصف شمال غرب سوريا، حيث استهدفت المعارضة بالصواريخ والقذائف مواقع قوات النظام والمجموعات المساندة لها بريف حلب الغربي. كما أعلنت "هيئة تحرير الشام" أنها استهدفت بالقذائف المدفعية مواقع النظام ومجموعاته على محور "الفوج 46" بريف حلب الغربي. وجاء ذلك ردًا على قصف قوات النظام بالمدفعية مناطق بجبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي ومناطق بريف حلب الغربي وريف حماه، ما أدى لمقتل خمسة مدنيين وجرح العشرات.
في شأنٍ منفصل، يمهّد زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبومحمد الجولاني، لدخول مناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، حيث قال خلال لقاءه مع عدد من المهجرين والنازحين من محافظة حلب وريفها، إنّ الأهالي بمنطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" التي يُسيطر عليهما "الجيش الوطني" يطالبون "الهيئة" بالدخول إلى مناطقهم، مؤكّدًا أنّه من المهم أن تكون هناك سلطة واحدة، ومؤسسات واحدة، وإدارة واحدة، تُدير كافة المناطق المحررة التي تُسيطر عليها المعارضة السورية.
وأوضح "الجولاني" أنّ تلك المناطق التي يُسيطر عليها "الجيش الوطني" لا تزال غارقة في الفوضى والمخاطر الأمنية والاجتماعية والسياسية، على عكس محافظة إدلب، إضافةً للنمو الذي تشهده إدلب وحل جميع المشاكل التي يعاني منها الأهالي في الخارج.
على صعيد ميداني آخر، شن الطيران الحربي "الإسرائيلي" عدة غارات مكثفة بمحيط دمشق وحمص وريف القنيطرة، مستهدفًا مواقع تابعة لقوات النظام و"حزب الله" و"الحرس الثوري الإيراني".
في سياقٍ آخر، تعيش مناطق سيطرة النظام حالة التذمر الشعبي ودعوات للاحتجاج والإضراب، فيما صدرت مؤشرات ارتباك لدى حكومة النظام الجديدة التي أعلنت إلغاء قرارات خاصة بتوزيع الخبز بعد ساعات فقط من صدورها. واحتجاجًا على الأوضاع المعيشية، دعا ناشطون بمدينة السويداء لتجديد التظاهر والاحتجاج السلمي وإطلاق حملة "خنقتونا"، وسط حالة من الغضب الشعبي تشهدها المدينة بسبب تردي الأوضاع المعيشية والأمنية. كما أطلق ناشطون دعوات للإضراب والتظاهر بمدينة حلب احتجاجًا على تردي الأوضاع المعيشية، فيما شهدت منطقة صافيتا بمحافظة طرطوس احتجاجات عارمة من قبل الأهالي، الذين قطعوا الطرقات إثر تلوث مياه الشرب واختلاطها بمياه النفايات.
في خضم ذلك، تعمل "الإدارة الذاتية" الكردية لشمال وشرق سوريا على بناء قاعدة لتهيئة المناخ نحو الاعتراف بها رسميًا على المستوى الدولي، وذلك من خلال خطى متسلسلة توصلها إلى هذا الهدف. وبدا هذا الأمر مع لقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بوفد من "الإدارة"، حيث دار النقاش حول دعم فرنسا لهذه الإدارة، لكسب اعتراف دولي بها، ككيان يدير شمال وشرق سوريا، ما أحدث ضجة لجهة القبول والرفض، لا سيما من قِبل أنقرة التي هاجمت استقبال "ماكرون" للوفد.
في الشأن ذاته، أعلنت "الإدارة" افتتاحها مملثية لها في جنيف بسويسرا، في رسالة لسعيها إلى التقرب من الأروقة الأممية، في طريق الوصول إلى اعتراف دولي بها. بالمقابل، هاجمت تركيا سماح سويسرا بذلك، عبر استدعاء القائم بأعمال السفارة السويسرية بتركيا، مسجلةً تحفّظها على الخطوة، باعتبار أن الإدارة ترتبط بـ"منظمة إرهابية دموية".
لقراءة وتحميل الموجز/ اضغط هنا