استنتاجات الموجز:
جنين تعقّد عمليات الجيش "الإسرائيلي" والمعركة متعددة الجبهات تقلق "تل أبيب"
تدهور العلاقات الخارجية لـ"إسرائيل" مقابل إشادة "إسرائيلية" بتحسن الأمن في سيناء
شهدت الساحة الأمنية والعسكرية "الإسرائيلية" في الأيام الماضية جملة تطورات متلاحقة، وبدا لافتًا أنها توزعت على المحافل الداخلية والإقليمية والدولية، فيما شكلت أحداث مدينة جنين صدارتها عقب اشتباك مسلح ضد قوات المستعربين، مرورًا بتزايد التقديرات "الإسرائيلية" حول فرضية اندلاع حرب متعددة الجبهات، وصولًا إلى تخفيض الأمن "الإسرائيلي" لقيوده على دخول السياح إلى سيناء عقب تراجع العمليات المسلحة، وانتهاءً بتدهور العلاقات الخارجية لـ"إسرائيل" والتقدير السائد بانهيار منظومة تحالفاتها الخارجية.
في التفاصيل، شهدت مدينة جنين شمال الضفة الغربية اشتباكًا بين مسلحين فلسطينيين ووحدة "إسرائيلية" خاصة من المستعربين، أسفر عن استشهاد أربعة منهم. ولم يكن هذا الاشتباك الأول الذي تشهده الضفة الغربية، ما يعني أن عمليات الاعتقال الروتينية للجيش في جنين تنتهي بتبادل إطلاق نار واستشهاد فلسطينيين، ويطرح تساؤلات حول الذي تغير في الفترة الأخيرة في جنين عن باقي المدن الفلسطينية.
هذا، مع العلم أن ما حدث في جنين يحدث كل ليلة تقريبًا في الضفة الغربية لكنه يمر في صمت تام، أما في مخيم جنين فيصبح الأمر نوعًا من الحرب، وهذه المرة كانت محاولة "إسرائيلية" لاعتقال أحد كوادر حركة "حماس"، لكن الحدث تطور لمعركة نارية انتهت باستشهاد أربعة فلسطينيين.
ولعل هذا الحدث يتطلب معرفة الحمض النووي لمخيم جنين، وما يميزه عن باقي مخيمات ومدن الضفة الغربية، ولماذا يتطلب كل اقتحام للجيش هناك إعدادًا مختلفًا عما هو عليه في مخيمات اللاجئين الأخرى، وكيف يمكن أن يطلق المسلحون هناك النار على قوات الجيش "الإسرائيلي" التي تقتحم المخيم، رغم إدراكهم أن ذلك قد يؤدي لاستشهادهم، لأنه وفقًا للتقديرات الفلسطينية و"الإسرائيلية" يوجد ما لا يقل عن خمسة آلاف قطعة سلاح بأيدي الفلسطينيين، وهي كمية ضخمة غير مسبوقة من البنادق.
إقليميًا، فإن حدوث تغييرات دراماتيكية خلف الكواليس ربما يدفع الاحتلال للاستعداد لسيناريو حملة عسكرية متزامنة على جميع الجبهات في آن واحد، لاسيما مع إيران و"حزب الله" و"حماس"، كما حصل عقب إطلاق صواريخ من لبنان، تزامنًا مع توتر دراماتيكي مع إيران، وإعادة تشكيل الحدود اللبنانية، بما يذكر "الإسرائيليين" بالواقع في الجنوب أمام غزة.
ورغم أن هناك جملة مؤشرات استخباراتية عن توجه إيراني يركز الجهد ويشعل حرارة كل الجبهات لصرف الانتباه الدولي عنها، لكن المؤسسة العسكرية "الإسرائيلية" لديها موقف لا لبس فيه، وهو أن "حزب الله" و"حماس"، رغم الدعم الإيراني، لن تخاطرا بالحرب مع "إسرائيل" فقط لخدمة أهداف إيران ومصالحها، في حين أن الثمن المتوقع منهما باهظ للغاية، رغم أن المواجهة في أي من الساحات في الجنوب أو على الحدود مع لبنان، ستخدم مصالح إيران في هذا الوقت.
ورغم الأسبوع الهادئ على الحدود اللبنانية منذ إطلاق صواريخ "حزب الله"، إلا أن التوتر ذهب لمكان آخر في غزة، كما اتخذ الجيش فجأة معنى جديدًا مع بدء منظمات محلية صغيرة تعمل جنوب لبنان، ما يشيع تقديرًا إسرائيليًا مفاده أن "حماس" تفتح جبهة أخرى، بحيث يمكنها الضغط على "إسرائيل" بإطلاق الصواريخ من الحدود الشمالية، كما حدث بالفعل خلال حرب غزة.
في الوقت ذاته، تزايدت الانتقادات "الإسرائيلية" بشأن تصرفات وأفعال الحكومة الحالية، لاسيما وزارة الخارجية التي تقضي على التحالفات الاستراتيجية، خصوصًا في القارة الأوروبية، في ظل ما يقوده الوزير، يائير لابيد، من مسار تصادم أمامي مع تحالف دول "ويسغارد"، المتمثلة في: رومانيا وبولندا والمجر، وهو محور شكل جدارًا دفاعيًا دبلوماسيًا لها في الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة.
وقد كشفت هذه الأزمة عن إخفاقات "لابيد" في الشهرين الأولين من توليه منصب وزير الخارجية، من إحباط اتفاق محتمل مع سلطنة عُمان، إلى انتهاك الاتفاقية مع الإمارات من خلال نية إلغاء اتفاقية خط أنابيب النفط، وضعف معالجة الملف النووي الإيراني، واهتزاز التعاون مع الروس في سوريا، كل هذا مصحوب ومدعوم بسلوك غير دبلوماسي، على أقل تقدير.
وإذا أمكن الاعتقاد بأن أخطاء "لابيد" تعود إلى افتقاره للخبرة في التعامل مع العلاقات السياسية، فهذا يدل على أن في وزارة الخارجية من قرر "تفجير" العلاقات الدبلوماسية لـ"إسرائيل" للانتقام الشخصي والرخيص والشعبوي، ما يجعل "إسرائيل" على وشك خسارة أحد أهم تحالفاتها الاستراتيجية في أوروبا وربما خارجها. وعندما ينهار جدار "إسرائيل" الدفاعي في أوروبا عبر الأزمة مع بولندا، فمن المتوقع أن نشهد تسونامي سياسيًا يجتاحها، وبالتالي فإن "لابيد" وفريقه في وزارة الخارجية سيستمرون في أخذ "إسرائيل" كلها معهم إلى الهاوية.
على الصعيد الأمني، وبعد سنوات من الجفاف السياحي لـ"الإسرائيليين" إلى سيناء في أعقاب هجمات "تنظيم الدولة" فيها، قررت الأجهزة الأمنية تقليل شدة تحذيرات السفر إليها، في أعقاب إجراءات "إسرائيلية" ومصرية لتحسين الأمن فيها، بالضغط على العناصر المسلحة هناك، فيما قررت تل أبيب قبل أيام فقط خفض شدة الإنذار من المستوى الخامس إلى المستوى الثالث فقط.
وهناك جملة أسباب لهذه الخطوة الأمنية "الإسرائيلية" المفاجئة، أهمها تكاثر أعداد السياح "الإسرائيليين" خلال الأعياد، والتحسن الكبير في مستوى الأمن الذي توفره المخابرات المصرية حول المناطق السياحية، والطلب من السياح "الإسرائيليين" العودة كما كانوا في الماضي، مع اشتداد الضغوط المصرية على "إسرائيل" لخفض مستوى التحذيرات من السفر إلى سيناء.
في هذا السياق، يمكن الكشف أن الأجهزة الأمنية المصرية اتخذت سلسلة من الإجراءات في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة، وصولًا إلى شرم الشيخ لتحسين الوضع، أولها بناء سياج يزيد طوله عن 40 كيلومترًا يحيط بالمدينة بأكملها ومجمعاتها السياحية، للتضييق على عناصر التنظيمات المسلحة، الذين يجلسون بانتظام في سيناء، وثانيها زيادة كبيرة في الترتيبات الأمنية في المنطقة.
كما أن وفودًا أمنية "إسرائيلية" عديدة زارت سيناء في الآونة الأخيرة، بما فيها وفد بقيادة وزير المخابرات السابق، إيلي كوهين، لفحص الترتيبات الأمنية عن كثب، والتأكد إذا كان من الممكن خفض مستوى تحذيرات السفر، والسماح لـ"الإسرائيليين" بالسفر إلى هناك، بعد أن صنفها بأشد تعريفات الأمن قسوة، لكن المستويات الأمنية والحكومية "الإسرائيلية" قررت خفض ستوى التهديد في سيناء.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا