استنتاجات الموجز:
تصاعدٌ ملحوظ في عمليات المقاومة في الضفة المحتلة وسط تخوف من تعرض مدينة جنين ومخيمها لاجتياح واسع
تراجع "عباس" عن تمرير "المنحة القطرية" سيقود الوسطاء للبحث عن حلول جديدة بمعزل عن السلطة وتأثيرها
في ظلّ تصاعد تهديدات الاحتلال باقتحام مدينة جنين ومخيّمها، بحثًا عن الأسيرَين، مناضل نفيعات وأيهم كممجي، اللذين لا يزالا طليقَين من بين الأسرى الهاربين من سجن جلبوع، يتحضّر المقاومون هناك لمواجهة الاحتلال. كما تمّ تشكيل "غرفة عمليات مشتركة" في استنساخ لتجربة غزة، وسط تحضيرات متسارعة تشمل تكاتف الشارع الفلسطيني في مواجهة التهديدات. ومنذ أسبوع، يتعرّض حاجز الجلمة يوميًا لعمليات إطلاق نار خاطفة، إضافةً إلى إلقاء قنابل محلية الصنع "أكواع"، علمًا أن الحاجز يقع شمال جنين ويمثّل نقطة الاشتباك والتماس الأقرب مع جيش العدو.
إلى ذلك، لم يعد مشهد المواجهة مختزلًا بجنين ومخيّمها، حيث شهدت الأيام الماضية سلسلة عمليات أو محاولات طعن في القدس ويافا وقرب بيت لحم. كما شهدت مناطق أخرى خارج المدينة ومخيمها عمليات إطلاق نار استهدفت مواقع عسكرية لجيش الاحتلال. وفي نابلس، تَكرّر إطلاق النار نحو موقع "إسرائيلي" على جبل جرزيم، وسبق ذلك إطلاق نار في مخيم بلاطة، كما سُجّلت عمليات إطلاق نار متكرّرة استهدفت قوات راجلة من الاحتلال و"قصّاصي الأثر"، على امتداد الجدار الفاصل قرب قرى العرقة والطرم ويعبد، أثناء عمليات البحث "الإسرائيلية" عن الأسيرَيْن.
بدوره، هدّد رئيس أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، باقتحام مدينة جنين شمال الضفة، في حال وصل إليها أحد الأسيريْن، وقال إن جيشه مستعد لدخول المدينة بقوات كبيرة من أجل اعتقالهما، حتى لو كان ذلك على حساب التأثير على باقي مناطق الضفة أو غزة.
بالمقابل، أعلن الناطق باسم "كتائب القسام“، أبو عبيدة، أن قيادة "القسام: قرّرت أن "أيّ صفقة تبادل قادمة لن تتم إلّا بتحرير أبطال نفق الحرية". وتزامنًا مع تهديدات الاحتلال بقرب تنفيذ عملية عسكرية واسعة في مخيم جنين لإنهاء حالات المقاومة المسلّحة التي ظهرت أخيرًا، قال "أبو عبيدة": "أمام تهديدات العدوّ لأهلنا في الضفة وفي جنين، إن مخيما جنين وثواره ليسا وحدهما، ولن نسمح للعدو بالتغول عليهما، وسنقوم بواجبنا الديني والوطني تجاههما".
يذكر أن سلطات الاحتلال تمكنت من إعادة اعتقال أربعة من الأسرى الفلسطينيين، الذين فروا من سجن "جلبوع" شديد التحصين قبل أسبوع، بينما تواصل مطاردة اثنين آخرين تعتقد أن أحدهما تمكن من الوصول إلى الضفة الغربية. في الأثناء، حذرت هيئة شؤون الأسرى من مغبة مواصلة عزل الأسرى الأربعة في "ظروف صعبة وفي زنازين تفتقر لأدنى مقومات الحياة الآدمية، ومن تعرضهم للتعذيب والمعاملة السيئة والتنكيلية من قبل المحققين والسجانين".
وقبل أيّام من بدء الإضراب الكبير الذي أعلنته الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، والذي كان مزمعًا انطلاقه أواخر الأسبوع الحالي، أبلغت إدارة السجون "الإسرائيلية" قيادة الأسرى الفلسطينيين استجابتها، من حيث المبدأ، لمطالبهم، بوقف العقوبات التي أُنزلت بحقهم بعد "عملية جلبوع"، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل العملية. وعليه، قرّرت الحركة الأسيرة تعليق الإضراب مؤقّتًا، مع إعطاء العدو فرصة للتراجع عن الخطوات المتّخذة بحق أسرى حركة "الجهاد الإسلامي" خصوصًا.
على الجانب الآخر، وعلى غير العادة، لن يحضر رئيس السلطة، محمود عباس، اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الشهر، وسيرسل خطابه مسجلًا، ما يثير عدة تساؤلات بشأن هذا القرار، خاصةً أنه أصر على الحديث بكلمة مسجلة في الأمم المتحدة بدلًا من إرسال مندوب عنه، مثل رئيس حكومته، محمد اشتية، أو وزير الخارجية، رياض المالكي. من جهتهم، يرى محللون فلسطينيون أن عدم حضور "عباس" يعكس حالة اليأس التي يمر بها، خاصةً أن الإدارة الأمريكية لم توفي بوعودها للسلطة حتى الآن.
يأتى ذلك عقب تراجع السلطة عن الاتفاق المبرم مؤخرًا بينها وبين اللجنة القطرية بخصوص صرف منحة موظفي غزة، عبر البنوك التابعة لسلطة النقد بغزة، رغم التفاهمات الأخيرة وقيام قطر بتحويل الأموال للسلطة تمهيدًا للبدء في عملية الصرف.
في السياق ذاته، بدأ الاحتلال الترويج لمبادرات تستهدف إيجاد حل لمشاكل قطاع غزة، بعيدًا عن الصيغ التي جرى الترويج لها عقب معركة "سيف القدس"، والتي كان آخرها المبادرة التي طرحها رئيس الحكومة "الإسرائيلية" البديل ووزير الخارجية، يائير لبيد، تحت عنوان "رؤية مرحلية للتقدم في تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تبدأ بقطاع غزة". وكشف "لبيد" أن مخططه المرحلي حظي بكثير من المحادثات التمهيدية مع المسؤولين في العالم العربي والعالم الغربي الذين يدرسون الفكرة، بما في ذلك السلطات المصرية، وقادة دول الخليج، ووزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والاتحاد الأوروبي.
وتقوم رؤية "لبيد" على مبدأ أن "الظروف السياسية في إسرائيل ولدى الفلسطينيين تمنع التقدم في المحور الدبلوماسي، غير أن تهدئة طويلة الأمد في غزة قد تخلق ظروفًا أكثر ملاءمة للمفاوضات السياسية المستقبلية (التي قد تنطلق) عندما تكون الظروف مواتية". كما إن "لبيد "الذي من المقرّر أن يتولّى منصب رئيس الوزراء في غضون عامين في إطار اتّفاق التناوب ضمن الائتلاف، اعترف بأنّ خطّته لا تشكّل حتّى الآن سياسة رسميّة للحكومة الحاليّة المؤلّفة من ثمانية أحزاب، لكنّه أشار إلى أنّها تحظى بدعم رئيس الوزراء، نفتالي بينت.
في الأثناء، لفتت الصحف العبرية إلى أنّ "بينت" طالب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بأن تقوم مصر بكبح جماح حركة "حماس" ووقف تعاظم قوتها، وزيادة المراقبة وتشديدها في معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، لمنع "تهريب الأسلحة والأدوات القتالية لصالح الحركة. وقال مصدر سياسي "إسرائيلي" إنّ "مصر ترى في العلاقة مع إسرائيل وحجة إعادة إعمار قطاع غزة مسارًا وطريقًا إلى البيت الأبيض، لأنها بحاجة لهذه العلاقة لتخفيف ورفع الضغوط الموجهة ضد مصر في مسألة انتهاك حقوق الإنسان."
من جهتها، تؤكد مصادر فصائلية في غزة أن مهمة الوفد الأمني المصري المتوقع وصوله الأسبوع المقبل، لعقد لقاءات مع قيادة الفصائل وأخرى مع مسؤولين "إسرائيليين" في تل أبيب، ستركز على مسار جديد للتهدئة يشمل ملف إعادة الإعمار، وخططًا مصرية للبدء بتنفيذ المشاريع، علاوة عن تلك التي تنفذ من جهات أخرى، بعد رفع الحظر "الإسرائيلي" عن مواد البناء. ومن المقرر أن يصل الوفد المصري مطلع الأسبوع المقبل، حيث سيُطْلع قيادة "حماس" على تفاصيل "ملف غزة" الذي بحث خلال لقاء "السيسي – بينيت.
في الشأن ذاته، وخلال الأيام الماضية، كثف المسؤولون المصريون الذين يشرفون على ملف التهدئة من اتصالاتهم مع قيادة الفصائل في القطاع، وتمكنوا بعد أيام من تصعيد ميداني تخلله إطلاق صواريخ من القطاع وغارات جوية "إسرائيلية" عنيفة من تهدئة الأوضاع، وذلك في اليوم الذي سبق لقاء "السيسي - بينيت"، ووعدوا بتكثيف اتصالاتهم خلال الفترة القادمة لإرساء تهدئة “طويلة الأمد”، تشمل صفقة تبادل أسرى.
والجدير ذكره أن سلطات الاحتلال استبقت انتهاء المهلة التي وضعتها المقاومة قبل أيام، وسمحت بدخول مواد البناء دون آلية الرقابة الماضية، بعد توقف عملية إدخال هذه المواد لعدة أشهر، وهي خطوة من شأنها أن تسهل عملية إعادة الإعمار في غزة.
في السياق أيضًا، أطلق رئيس أركان جيش العدو، أفيف كوخافي، تحذيراته للمقاومة في غزة، حول عدم انتهاك "سيادة إسرائيل“، بالإشارة إلى إطلاق الصواريخ من غزة نحو الأراضي المحتلة لثلاث أيام على التوالي. وجاء التصعيد في القطاع على خلفية عاملَيْن: قضيّة الأسرى الفلسطينيين، وتعثّر جزئي للمنحة القطرية في أعقاب تراجع السلطة الفلسطينية عن إدخالها لمصلحة موظّفي الحكومة المدنيين في غزة.
من ناحيته، توقع وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، ناجي سرحان، البدء في إعمار القطاع مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. هذا، فيما بدأت الأمم المتحدة صرف منحة مالية مقدمة من دولة قطر إلى 100 ألف عائلة فقيرة في غزة، في تطور يؤمل أن يعزز تفاهمات التهدئة بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل".
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا