استنتاجات الموجز:
تصاعد التوتر بمجمل الشمال السوري والتهديد التركي بخطوات رادعه ضد "قسد" لن يغيّر بالمشهد القائم بالوقت القريب لتريّث تركيا مخافة انهيار التفاهمات الإقليمية والدولية على طول الحدود مع سوريا
استمرار الخلاف التركي الروسي وعدم تنفيذ تفاهمات إدلب ينعكس تصعيدًا عسكريًّا ميدنيًا مع عدم الرغبة بالتقدم على الأرض بالوقت الحالي
تسارعت الأحداث في الآونة الأخيرة في مجمل الشمال السوري وعاد التصعيد العسكري ليُهيمن على المنطقة، وانتقل التصعيد إلى ريف حلب الشمالي إثر تصاعد التوتر الكبير بين الجيش التركي و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، إذ لم تتراجع حدة التوتر بين الطرفين في غرب الفرات وشرقه، عقب مقتل شرطيين من أفراد المهام الخاصة التركية، جراء هجوم شنّته جماعة "قوات تحرير عفرين" بريف حلب الشمالي، فيما اتهمت تركيا حزب "العمال الكردستاني" بالهجوم، ما دفع أنقرة للتأكيد على أنها ستقوم على ما يجب فعله في المنطقة لردع "قسد"، والتلويح بخطوة رادعة اتجاه هذه القوات التي نفت ضلوعها في عمليات القصف التي طالت أيضًا جنودًا أتراكًا ومناطق سكنية بمنطقة "درع الفرات" بريف حلب الشمالي، الأمر الذي دفع الجيش التركي لقصف مواقع "قسد" على أكثر من محور في المنطقة.
وانعكس التصعيد الميداني الأخير في المواقف السياسية، إذ نددت تركيا بـ"عدم التزام الولايات المتحدة وروسيا بتعهداتهما في الشمال السوري" بضمان انسحاب "الوحدات الكردية" من منطقة الحدود، محملةً الطرفين المسؤولية عن الهجمات الأخيرة على المدنيين في هذه المنطقة. واعتبرت تركيا أنّ الإدانات التي تصدر عن الخارجية الأمريكية غير صادقة، لأنّ واشنطن تسلّح وتُدرّب الوحدات الكردية. وعلى الرغم من تصعيد لهجة الخطاب السياسي، إلّا أنّ الوقائع تدل على أنّ تركيا متريّثة بتنفيذ تهديداتها ضد "قسد"، مخافة انهيار التفاهمات الإقليمية والدولية على طول الحدود مع سوريا، في ظل مؤشرات على نية بعض الجهات ومنها النظام السوري، استدراج الجيش التركي إلى مواجهة مع "قسد" لاستنزافهما معًا.
وفي الأثناء، وبالرغم من الأحداث الأخيرة والرغبة التركية بإبعاد "قسد" عن حدودها، أجرت وفود عسكرية أمريكية اجتماعات مكثفة مع قيادات في "قسد" في إحدى القواعد الأمريكية بريف الحسكة، وجاء ذلك عقب إعلان القوات الأمريكية الانسحاب من العراق. كما واصلت القوات الأمريكية تدريباتها العسكرية لقوات "قسد" بريف الحسكة، على استخدام المجنزرات الأمريكية "برادلي" بمعاركها وعملياتها القادمة، غير آبهةٍ بردود الفعل التركية. فيما وصلت دفعة جديدة من الجنود الأمريكيين المنسحبين من العراق إلى شمال شرق سوريا، مع تعزيزات عسكرية وُصفت بـ"الأضخم" منذ أشهر طويلة، بعد استقدام أكثر من 60 آلية عسكرية إلى القواعد التابعة للتحالف، وزعت على القواعد في دير الزور والحسكة.
بموازاة ذلك، ما زال الخلاف التركي الروسي ينعكس تصعيدًا عسكريًّا في إدلب، إذ تحوّل عدم التفاهم على تنفيذ كل طرف للشروط التي يطلبها الطرف الآخر إلى تصعيد على الأرض، بموجب رسائل ترجمت كذلك من خلال التعزيزات والتعزيزات المضادة على خطوط التماس جنوبي إدلب وغربي حلب.
وعلى الأرض، جددت قوات النظام السوري والمجموعات الإيرانية والروسية قصفهم المدفعي والصاروخي على قرى وبلدات منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي وغرب إدلب، ومنطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي، ومنطقة جبل الأكراد بريف اللاذقية الشرقي، وريف حلب الغربي، ما تسبب بأضرار مادية جسيمة في الأراضي الزراعية والطرقات الرئيسية لبلدات وقرى المنطقة، دون وقوع إصابات بشرية. بالمقابل، قصفت قوات المعارضة المسلحة نقاط وتمركز قوات النظام على خطوط التماس، وعززت من نقاطها المتقدمة في جبل الزاوية تحسبًا لكل الاحتمالات. ودفعت الفصائل بتعزيزات من المقاتلين، ونشرتهم على خطوط التماس. كما أسقط "الجيش الوطني" السوري المعارض طائرة مسيرة لقوات النظام بريف حلب الشمالي بالتزامن مع استهداف نقاط لقوات النظام بالمدفعية بريف حلب الغربي ما أسفر عن مقتل عنصر من قوات النظام.
إلى ذلك، مرة جديدة، تتحول مواقع تابعة للمجموعات الإيرانية بريف حمص الشرقي إلى هدف لطيران مجهول، يُعتقد أنه "إسرائيلي"، في ما تبدو رسالة جديدة إلى إيران، واستهدف القصف مواقع ومراكز تابعة للمجموعات الإيرانية، من ضمنها مركز للتدريب وبرج للاتصالات جنوب غربي مدينة تدمر، موقعًا 4 قتلى وجرح 7 آخرين حالات بعضم خطرة. توازيًّا، أصدرت ما تسمى بـ"غرفة عمليات حلفاء سوريا" المدعومة من إيران، بيانًا قالت فيه إن الرد على الضربة سيكون "قاسيًا جدًا"، مضيفة أن الخسائر كانت ستكون أكبر بكثير لو لم تكن قواتها تنتشر بشكل جيد في المنطقة الصحراوية. وكانت طائرات "إسرائيلية" قد أغارت على مطار "تيفور" أيضًا، مستهدفةً شحنات نقل صواريخ تم إدخالها من العراق، ما أدى إلى مقتل عنصرين من المجموعات الإيرانية
في غضون ذلك، تتواصل عمليات التسوية في محافظة درعا وتحديدًا بريف درعا الشرقي بانضمام قرى وبلدات جديدة إليها، حيث وصل عدد اتفاقيات التسوية إلى 14 اتفاقية. وبموجب هذه الاتفاقيات، بدأت قوات النظام في إزالة عدد من حواجزها المنتشرة بريف درعا الشمالي، وبتسوية أوضاع عدد من المسلحين والمطلوبين والفارين من الخدمة العسكرية وتسليم السلاح في بلدة صيدا بريف درعا الشرقي، كما دخلت قواته إلى قرى نصيب وأم المياذن والطيبة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من درعا بعد إنجاز عملية تسوية أوضاع المطلوبين والمطلوبين للخدمة العسكرية، بإشراف الشرطة الروسية.
وفي ظل استمرار عمليات التسوية، واصلت قوات النظام عمليات الاعتقال والتضييق على الحواجز التابعة لها في عموم درعا، واعتقلت قوات النظام عددًا من المدنيين بتهم غير واضحة خلال مرورهم بحواجز تابعة لها، كما داهمت قرى بريف درعا الغربي. فيما شن مجهولون هجومين منفصلين في درعا وريفها، أسفرا عن مقتل شخصان، كان أحدهم قد دخل في عملية التسوية.
بالتوازي، فجر مجهولون مبنى "أمن الدولة" التابع للنظام في بلدة الشجرة بمنطقة حوض اليرموك غرب درعا، بواسطة عبوات ناسفة تم زرعها داخل المبنى، والذي رممته قوات النظام خلال الفترة الماضية. وعلى إثر ذلك، هدد مسؤول اللجنة الأمنية في درعا، حسام لوقا، وجهاء منطقة حوض اليرموك، بتدمير عدد من منازل الأهالي في البلدة في حال لم يتم ترميم المبنى على نفقتهم.
وفي شأنٍ ذى صلة، تتجه وزارة الدفاع الروسية لحل "اللواء الثامن" في جنوب سوريا، التابع لـ"الفيلق الخامس المدعوم من قبلها، وكشف قيادي في اللواء أن روسيا في طريقها لتفكيك اللواء خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد وصول التسويات إلى مناطق نفوذه، والتي شملت مجموعات تابعة له في بلدات عدة. وأوضح القيادي أنّ النظام طلب من روسيا إنهاء ملف اللواء، حيث اجتمع الجانب الروسي مع القيادي الثاني في اللواء، علي باش، طالبًا منه بتسليم المجموعات التابعة للواء بريف درعا الشرقي، سلاحها لقيادة اللواء في بلدة بصرى الشام، مؤكدًا أنّ قائد اللواء، أحمد العودة، خرج بشكل سري من معبر نصيب باتجاه الأردن.
وفي الشأن السياسي، على وقع الترتيبات المصرية لاجراء أول اتصال بين الرئيس المصري ورئيس النظام السوري، خلال الفترة القليلة المقبلة، لتوسيع دور القاهرة في الملف السوري، والعمل على إعادة سوريا للجامعة العربية، وصل وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، إلى دمشق، والتقى رئيس النظام ووزير خارجيتها، وعلّق وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، على هذه الزيارة بقوله: "إنها مهمة جدًا وبحثنا خلالها نتائج الجولة التي قام بها مؤخرًا" عبد اللهيان" إلى روسيا ولبنان والجوانب المتعلقة بالملف النووي الإيراني. بدورها، قال "عبداللهيان" إن طهرن مهتمة بعلاقاتها الاستراتيجية مع سوريا، معلنًا التوصل إلى اتفاقات مهمة بشأن تطوير شامل للعلاقات بين البلدين في كل المجالات، ووضع برامج مكثفة من أجل تطبيق هذا التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية.