استنتاجات الموجز:
يدل استمرار التصعيد العسكري في الشمال الغربي والشرقي من سوريا، بأنّ المنطقة باتت على حافة صدام عسكري جديد، إلا إذا حالت التوازنات والتفاهمات الإقليمية والدولية دون ذلك
على الرغم من الدعم الدولي لمحادثات "اللجنة الدستورية" إلّا أنها ما زالت تدور بحلقات مفرغة بانتظار ما ستؤول إليه مخرجات اللقاء
ما زالت التطورات العسكرية والأمنية في الشمال الغربي والشرقي من سوريا تُسيطر على مشهد الأحداث في سوريا، على الرغم من انعقاد الجولة السادسة من مباحثات "اللجنة الدستورية" بين المعارضة والنظام السوري في جنيف. ففي حين ما زالت تركيا تهدد بشن عملية عسكرية في الشمال الشرقي ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية لإبعادها عن الحدود بعمق 30 كليومترًا داخل الأراضي السورية، استمرت قوات النظام وروسيا بتصعيدهما العسكري في إدلب ومحيطها، مستهدفين التواجد التركي في هذه المناطق، إضافةً لارتكاب مجازر بحق المدنيين وخاصةً في أريحا.
وتُشير المعطيات العسكرية والسياسية إلى أن المنطقة الشمالية باتت على حافة صدام عسكري جديد، إلا إذا حالت التوازنات والتفاهمات الإقليمية والدولية دون ذلك. وتصاعد التوتر إثر استهداف جديد للقوات التركية بريف إدلب، ما تسبب في وقوع قتلى وجرحى بين القوات التركية التي قصف بالأسلحة الثقيلة مناطق مختلفة بريفي الرقة وحلب، ومواقع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، في ريف "عين عيسى" شمالي الرقة، ما أدى لوقوع أضرار مادية.
وكانت قوات النظام قد جددت قصفها بالمدفعية الثقيلة لمناطق بريف إدلب الجنوبي، غداة المجزرة التي ارتكبتها في مدينة أريحا وأدت لمقتل وجرح العشرات من المدنيين أغلبهم من الأطفال، واستهدف قصف النظام مناطق تنتشر فيها النقاط العسكرية التركية بريف إدلب الجنوبي ومناطق أخرى على الطريق الدولي "أم 4"، بعيد استقدامه لتعزيزات إلى ريف إدلب وحلب بهدف مواجهة أي محاولة تقدم جديدة من الجيش التركي، الذي ردى باستهداف مواقع لقوات النظام جنوب معرة النعمان، بريف إدلب، واستقدم تعزيزات عسكرية ضخمة مكونة من 20 آلية تضم آليات عسكرية تحمل معدات لوجستية وكتلًا إسمنتية.
وتأتي هذه التطورات في وقت تعيش عموم مناطق سيطرة "قسد"، حالة من التوتر والترقب من إقدام القوات التركية على عملية واسعة في المنطقة بعد تصاعد تهديدات المسؤولين الأتراك بهذا الشأن، فيما أوعزت قيادة "قسد" لعناصرها تعليمات تمنعهم من مغادرة مقراتهم في كل من دير الزور والرقة والشدادي والمناطق الخاضعة لنفوذها، وكل من يخالف التعليمات يعرض نفسه للمساءلة، وذلك بعد حصولها على معلومات تفيد بإعطاء الروس ضوءًا أخضر للأتراك باستهداف قيادات غير سورية في "قسد"، كما قامت باستقدام تعزيزات عسكرية إلى ريف الرقة عند خطوط التماس مع مناطق النفوذ التركي. بدوره، قال "ميخائيل بوغدانوف" نائب وزير الخارجية الروسي المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، إن موسكو مستعدة لأداء دور الوسيط لتفادي إطلاق تركيا عملية عسكرية جديدة شمال سوريا، مؤكدًا أن موسكو تعارض تجدد أي أعمال قتالية.
إلى ذلك، استهدفت طائرات مسيّرة يُعتقد أنها إيرانية لأول مرة قاعدة "التنف" العسكرية التي تقع تحت سيطرة التحالف الدولي، عند مثلث الحدود السورية – العراقية – الأردنية، في هجوم من المرجح أن ما تسمى "غرفة عمليات حلفاء سورية" مسؤولة عنه، في تنفيذ لوعيد أطلقته الأسبوع الماضي، ردًا على قصف جوي انطلق من هذه القاعدة استهدف مواقع عسكرية إيرانية في البادية السورية. ولا تزال قوات التحالف تنتشر خارج القاعدة، فيما تفقدت مجموعة من قوات "جيش المغاوير" التابع للمعارضة السورية والمدعوم من قوات التحالف، القاعدة، تمهيدًا لعودة عناصر قوات التحالف.
وفي الأثناء، عزز تنظيم "داعش" سيطرته في ريف الرقة الجنوبية، إثر تمكنه من السيطرة على مساحات واسعة ببادية الرصافة، بعدما شن هجومًا مباغتًا على مواقع قوات النظام والمجموعات الإيرانية، موقعًا عشرات القتلى والجرحى في صفوف عناصر النظام والمجموعات الإيرانية، ما دفع المجموعات إلى استدعاء تعزيزات عسكرية كبيرة تضم عشرات الآليات من مطار "التيفور" بريف حمص الشرقي، ومن ريف حلب الشرقي، بهدف استعادة المواقع التي خسرتها. من جهتها، استنفرت قوات "قسد" في ريف الرقة، وعززت مواقعها في المنطقة خشية تقدم عناصر "داعش" إلى مناطق سيطرتها، كما دفعت بتعزيزات إلى مطار الطبقة وجبل البشري.
في غضون ذلك، اتهم وزير الداخلية التابع لحكومة النظام السوري، محمد الرحمون، إرهابيين مجهولين بتنفيذ هجوم على حافلة نقل مبيت تابعة لقوات النظام وسط دمشق، فيما اتهم معاون وزير الخارجية في حكومة النظام "إرهابيين" يخدمون "إسرائيل" بالوقوف وراء التفجير الذي أدى إلى مقتل 14 شخصًا على الأقل وإصابة 3 آخرين. من ناحيتها، تبنت مجموعة تطلق على نفسها "سرايا قاسيون" مسؤولية التفجير، وقالت المجموعة إن "عناصرها تمكنوا من استهداف باص بواسطة عبوات ناسفة مزروعة أسفله. توازيًّا، قُتل ستة عناصر من قوات النظام وأصيب 4 آخرين جراء انفجار ضرب مستودعًا للذخيرة تُسيطر عليه مجموعة "الدفاع الوطني" على أطراف مدينة حماة، وفيما تضاربت الأنباء عن سبب التفجير، أشارت معلومات إلى أنّ التفجير ناجم عن عبوة ناسفة زرعها مجهولون في المستودع.
بموازاة ذلك، شارفت قوات النظام السوري على الانتهاء من إجراء التسويات في بلدات ريف درعا الشرقي، جنوبي سوريا، وفق "خريطة الحل" الروسية، بعد إجرائها تسويات مماثلة في الريفين الغربي والشمالي، مشرّعة الأبواب أمام النظام لفرض سيطرة كاملة على المحافظة. واستكملت قوات النظام التسويات دون معوقات ومشاكل في بلدات (الغارية الشرقية والغارية الغربية وخربة غزالة وناحتة والحراك وعلما والصورة) بريف درعا الشرقي.
وعلى الرغم من استمرار النظام بالتسويات، إلّا أنّ عمليات التسوية ترافقت مع عمليات اغتيال جديدة قيدت ضد مجهولين، حيث قتل أحد الشبان في مدينة الصنمين إثر إطلاق النار عليه من جانب مسلحين مجهولين، كما قتل شخص آخر جراء استهدافه بالرصاص من قبل مجهولين في مدينة نوى بريف درعا الغربي.
وفي الشأن السياسي، لا تزال مفاوضات "اللجنة الدستورية" السورية تدور في حلقات مفرغة، خصوصًا بعدما استطاع النظام السوري الاطاحة بالقرارات الدولية التي نصت على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، وتركيز الخلاف في جنيف على كتابة دستور جديد أو إجراء إصلاحات. وتشهد مدينة جنيف حراكًا دبلوماسيًا يرافق اجتماعات "اللجنة الدستورية"، في ظل الخطوات المشتركة بين النظام والمعارضة، وممثلي المجتمع المدني في نقاش مبادئ أساسية دستورية ضمن الجولة السادسة لأعمال اللجنة. وهو ما يؤكد على وجود دعم دولي يعطي زخمًا للاجتماعات الجارية، في ظل ترقب نتائج ختام الجولة، كونها "ستكون مفصلية وهامة".
وانطلقت اجتماعات الجولة السادسة بعدما تبادلت الأطراف الثلاثة المكونة للجنة المبادئ الأساسية للدستور ونقاشها، على أن يتم إكمال مناقشة 4 مبادئ في هذه الجولة، وصياغة النقاط المشتركة، بإشراف المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، الذي أجرى جولات مكوكية لتجسير هوّة الخلافات بين النظام وداعميه، وبين المعارضة وحلفائها الإقليميين. وعقد اجتماع تمهيدي لهذه الجولة في مقر الأمم المتحدة بجنيف، ضم الرئيسين المشتركين للجنة الدستورية (عن المعارضة هادي البحرة وعن النظام أحمد الكزبري)، وبيدرسون، في اجتماع هو الأول من نوعه منذ انطلاق أعمال اللجنة الدستورية.
وعلى هامش الاجتماعات، يتواجد وفدان رفيعان تابعان لكل من روسيا وتركيا في جنيف لمتابعة اللقاءات، حيث انضم للوفد الروسي مبعوث الرئيس الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ويرأس الوفد التركي رئيس قسم سوريا في الخارجية، سلجوق أونال، ويبدو أنّ روسيا وتركيا تتابعان عن كثب وبشكل رفيع اجتماعات اللجنة الدستورية للخروج بنتائج إيجابية.
وبالتزامن مع اجتماعات اللجنة، عقد وفد روسي برئاسة "لافرنتييف" لقاءً مع رئيس النظام، بشار الأسد، في دمشق، وبحث اللقاء موضوع اجتماعات "اللجنة الدستورية"، حيث تم التأكيد على أهمية الاستمرار في المسار السياسي من أجل التوصل إلى توافقات، كما بحث مجالات التعاون القائم بين البلدين على صعيد "مكافحة الإرهاب"، وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري. وأبدى الوفد الروسي استعداده للمساهمة بفعالية في عملية إعادة الإعمار، وتأهيل البنى التحتية، وعقد شراكات استثمارية مع حكومة النظام في ميادين الطاقة والزراعة، بما يسهم في تنشيط الاقتصاد.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا