استنتاجات الموجز:
يُنذر تصاعد التوتر في الشمال السوري بالانتقال إلى مستويات جديدة من الصراع في حال فشلت الأطراف المعنية في إبراهم تفاهمات جديدة تجنّب الشمال عملًا عسكريًّا واسع النطاق
مساعٍ لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب لإقصاء منافسيها من المجموعات العسكرية ذات التوجه نفسه، في محاولةٍ منها لاحتكار السيطرة بمناطق نفوذها، وسط استسلام فصيل "جنود الشام" وتسليم أسلحته ومقراته
في الوقت الذي تترقب فيه تركيا لما ستؤول إليه المحادثات السياسية وتطوّر مجريات الأحداث العسكرية في محافظة إدلب، واصل جيشها تعزيز قواته في المحافظة تحسبًا لأي هجوم من قبل قوات النظام وروسيا. في حين أنّ مصير العملية العسكرية التي تهدد بها أنقرة منذ فترة ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، سيكون محكومًا على الأرجح بلقاء سيجمع الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الأمريكي، جو بايدن، على هامش لقاءات قمة المناخ في اسكتلندا، إضافةً لتوافقات مع روسيا.
وفي ضوء التطوّرات الأخيرة، يُخيّم التوتر على الشمال السوري، إذ لم تنقطع التعزيزات العسكرية التركية في إدلب ومحيطها، وفي "تل رفعت" ومحيطها، في ظلّ تحفّز أنقرة لتغيير التوازنات الإقليمية، بعدما اعتبرت أنّ الأطراف الأخرى (روسيا وأمريكا) لم تفِ بوعودها بإبعاد "قسد" عن المناطق الحدودية. ويُنذر تصاعد التوتر بالانتقال إلى مستويات جديدة من الصراع في حال فشلت الأطراف المعنية في إبراهم تفاهمات جديدة تجنّب الشمال عملًا عسكريًّا واسع النطاق، ربما يفضي إلى خريطة سيطرة مختلفة عما هي عليه اليوم.
وتدل المؤشرات الميدانية على أن الجيش التركي ينتظر ساعة الصفر وما ستُسفر عنه المباحثات السياسية للبدء بعمل عسكري واسع النطاق في غربي الفرات أو في شرقه لردع قوات "قسد"، حيث بدأ بشنّ عمليات بمسيّرات تستهدف مواقع وقياديين وعناصر في "وحدات حماية الشعب" الكردية في "تل رفعت" "وعين العرب"، أسفرت عن مقتل ثلاثة من عناصر "قسد" وجرح آخرين. وكان الجيش التركي قد استقدم تعزيزات عسكرية إلى "تل أبيض"، مكوّنة من دبابات ومدفعية وأسلحة ثقيلة ومواد لوجستية، ويقوم بالتجهيز لنقل عناصر إلى "تل أبيض"، كما استدعت قيادات الفصائل الموالية للقوات التركية جميع عناصرها المتواجدين في منطقة عفرين. بالمقابل، استقدمت "قسد" تعزيزات عسكريّة إلى نقاط التماس مع الفصائل الموالية لتركيا قرب عين عيسى، إضافة لحفر أنفاق في مناطق خطوط التماس، بالتوازي مع تعزيزات لقوات النظام إلى محاور عين عيسى.
وفي الأثناء، دفع "الحرس الثوري الإيراني" بتعزيزات عسكرية إلى مطار القامشلي، شمال شرقي محافظة الحسكة، بغية تعزيز وجوده داخل مربعات النظام السوري في مدينة القامشلي الخاضعة لسيطرة "قسد"، عدا عن المربعات الأمنية التابعة للنظام، تحسبًا لأي عمل عسكري من قبل الأتراك.
يأتي ذلك بينما لم تنقطع التعزيزات العسكرية التركية في إدلب التي باتت محلّ خلاف كبير بين أنقرة وموسكو بعد تعثّر تطبيق اتفاق "موسكو"، بسبب تعقيدات ميدانية، وخاصة لجهة استعادة الحركة على الطريق الدولي حلب اللاذقية "أم 4". ودفع الجيش التركي بتعزيزات كبيرة قوامها 100 آلية عسكرية إلى نقاطه وقواعده في المحافظة، وخاصة إلى النقاط في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي. هذا فيما قصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة مناطق عدة بريف إدلب الجنوبي، بينما تمكنت فصائل المعارضة من إسقاط طائرة استطلاع مسيرة شرقي المحافظة، كما قتل عناصر وأصيب آخرون من قوات النظام، قنصًا برصاص الفصائل بريف اللاذقية الشمالي وريف إدلب الجنوبي.
في غضون ذلك، تسعى "هيئة تحرير الشام" لإقصاء منافسيها من المجموعات العسكرية ذات التوجه نفسه، في محاولةٍ منها لاحتكار السيطرة بمناطق نفوذها، إذ شهد الريف الشمالي الشرقي لمحافظة اللاذقية، المتاخم مباشرة لريف إدلب، تطورات ميدانية، في ظل الاشتباكات التي تخوضها "الهيئة" مع مجموعات متشددة منها "جند الله" بقيادة المدعو "أبو فاطمة التركي"، وذلك بعدما رفض الأخير تسليم المنطقة، معتمدًا على تحصيناته في المنطقة الحدودية مع تركيا، وتحالفه مع مجموعة "عتبة بن فرقد"، بقيادة أبو حذيفة الأذري، الذي تقاتل إلى جانبه.
وكانت "الهيئة" قد أرسلت خمسة أرتال عسكرية مدججة بالسلاح الثقيل والرشاشات المتوسطة، إلى جبل التركمان بريف اللاذقية، وإلى محيط مدينة جسر الشغور، وذلك لقتال "جنود الشام" و"جند الله" وجماعة "السلطان عبد الحميد". إلّا أنّ فصيل "جنود الشام"، بزعامة مسلم الشيشاني، توصل إلى اتفاق مع "الهيئة" قضى بخروجه من جبل التركمان، وتسليم مطلوبين لها، فيما اعتقلت المدعو "أبو موسى الشيشاني" و"عبدالله البنكيسي الشيشاني"، و"أبو عبد الله الشيشاني"، أثناء محاولتهم الهروب إلى تركيا.
بموازاة ذلك، اقترب النظام السوري وحلفاؤه من الانتهاء من ملف الجنوب السوري خاصةً محافظة درعا، إذ ما زال مستمرًا بعمليات التسوية في قرى وبلدات في المحافظة التي لم تدخل "التسويات" بعد، تحت إشراف الشرطة العسكرية الروسية، وهو ما يعزز تهدئة الأوضاع نسبيًّا في المحافظة. وواصلت قوات النظام عمليات تسوية أوضاع المسلحين والمطلوبين والفارين من الخدمة العسكرية لتنتقل إلى بلدتي ازرع والشيخ مسكين وعدد من قرى منطقة اللجاة بريف درعا الشمالي. وتزامن ذلك مع عمليات تمشيط تقوم بها قوات النظام في مدينة الحراك ومحيطها بريف درعا الشمالي الشرقي بعد استكمال عمليات التسوية فيها. وبالتزامن مع عمليات التسوية، شهدت المحافظة عودة نشطة للاغتيالات مجهولة الفاعلين، وسط شكوك من الأهالي بوقوف النظام وأجهزته الأمنية خلفها بهدف تصفية حسابات مع معارضي النظام، إذ أظهرت الاغتيالات أنّ معظم القتلى ممن أجروا عمليات تسوية، فقد اغيتل عدّة أشخاص من بلدة المزيريب بريف درعا الغربي، بعد استهدافهم بإطلاق نار مباشر من قبل مسلحين مجهولين، كما قتل شخص آخر تحت التعذي أثناء احتجازه في المفرزة العسكرية في بلدة سحم الجولان، على خلفية اتهامه بعملية سرقة.
إلى ذلك، أعلنت مصادر "إسرائيلية" أن كلًا من رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، نفتالي بينت، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اتفقا في لقائهما في سوتشي، على مواصلة السياسة الحالية، والتي تمنح "الجيش الإسرائيلي" الحق بالعمل بحرية في سوريا. وعقب ذلك، شنت طائرات حربية "إسرائيلية" غارات على مواقع للنظام السوري بمحافظة القنيطرة، شملت موقع بمدينة البعث وقرية الكوم، التيين يتخذ منهما "الحرس الثوري الإيراني" مقرًا له، فيما لم يُبلغ عن وقوع إصابات بشرية، حيث اقتصرت الضربة على الأضرار المادية.
في خضم الأحداث العسكرية والأمنية، وبالرغم من الدعم الدولي الذي حظيت به مباحثات "الجولة السادسة" من اجتماعات "اللجنة الدستورية" بين المعارضة السورية والنظام، إلّا أنّ المحادثات قد انتهت بلا نتائج، كما كان متوقعًا منذ البداية، في ظل عدم اكتراث النظام بحل سياسي. وحمّلت المعارضة مسؤولية الفشل للنظام السوري، متهمًا إياه بعدم رغبته في التوصل إلى أي اتفاقات، فيما حاولت موسكو تبرير الفشل، بسبب انفجار دمشق الذي أدى لمقتل عسكريين تابعين للنظام، معتبرةً أنّ هذا ما "أثار قلق الأطراف في مناقشات "اللجنة الدستورية". بدوره، عبر المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، عن "خيبة أمله" من فشل التقدم بالمسار السياسي خلال المباحثات الأخيرة، معتبرًا أنّ الجولة لم تحقق ما أرد المجتمع الدولي إنجازه، ولم تتوصل الأطراف السورية المعنية إلى أي تفاهمات أو أرضية مشتركة حول أي من المواضيع. وأوضح "بيدرسون" أنه لم يتم التوافق على موعد الجولة المقبلة "لأن الأطراف المشاركة لم تصل إلى أي آلية مشتركة أو قرار".
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا