استنتاجات الموجز:
تحضيرات "فتح" لعقد المؤتمر الثامن ستفتح الباب نحو تنافس تنظيمي واسع لانعكاسات ذلك على مشهد ما بعد "عباس"
تراكم الخلافات بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال حول الملف الفلسطيني مؤشر على طبيعة العلاقة المعقدة بين الطرفين
اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، موقفًا حازمًا علنيًا يعارض بشدة خطط الاحتلال، لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، في خطوة إضافية يمكن أن ترفع منسوب التوتر، لا سيما بعدما أكدت واشنطن أنها ستعيد خدماتها القنصلية للفلسطينيين إلى القدس، وانتقادها قرار حكومة "بنيت" بتصنيف منظمات حقوقية فلسطينية على أنها "إرهابية". في التفاصيل، أجرى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلنكين، محادثة هاتفية حادة مع وزير الأمن "الإسرائيلي"، بيني غانتس، احتج خلالها على قرار الموافقة على تخطيط وبناء 3000 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية.
وفي ما يتعلق بالقنصلية الأمريكية، تؤكد مصادر عبرية أن خطة الإدارة الأمريكية الحالية تنص على أن يبدأ العمل على فتح القنصلية في غضون أسابيع قليلة، بعد المصادقة على الميزانية "الإسرائيلية" المقررة في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل؛ ففي هذا الشهر، سيصل السفير الأمريكي المعين لدى "إسرائيل"، توماس نايدس، ويمارس عمله من مقري السفارة في تل أبيب والقدس. ويشمل المخطط الأمريكي إعادة فتح فرع القنصلية الذي كان يعمل حتى عام 2010 في مبنى قائم على طريق نابلس في المدينة، ثم انتقل إلى شارع أرنونا لكنه بقي بحوزة الأمريكيين. وأفاد مصدر سياسي في رام الله بأن حوارًا بهذا الشأن بدأ بين مسؤولين في واشنطن ومكتب رئيس السلطة، محمود عباس، حول إمكانية ذلك. وقال هذا المصدر إن السلطة لا تمانع في إعادة فتح هذا الفرع، بشرط عدم التنازل عن إعادة فتح القنصلية في القدس.
بدورها، حثت 12 دولة أوروبية (ألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبولندا، والسويد، والنرويج، وفنلندا، والدنمارك، وهولندا) في بيان مشترك، "إسرائيل" على التخلي عن خطتها لبناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة، ودعت بريطانيا حكومة الاحتلال للتراجع عن قراراتها الاستيطانية، بما فيها القدس الشرقية.
من جهته، يقوم رئيس الوزراء، محمد اشتية، بجولة أوروبية تستهدف جلب الدعم السياسي والمالي للسلطة ستشمل ثلاث دول، حيث من المقرر أن يشارك بمؤتمر المانحين في بروكسل، وأن يزور لوكسمبورغ، كما سيحضر مؤتمر المناخ العالمي في مدينة غلاسكو الأسكتلندية ببريطانيا. وسيحث رئيس الوزراء الدول الأوروبية على دعم عملية السلام واستئناف دعم موازنة الحكومة. ويأتي طلب الدعم المالي في وقت تقول فيه الحكومة إنها تمر بأصعب وضع مالي منذ تأسيس السلطة؛ حيث وصف مستشار لرئيس الوزراء الوضع المالي للحكومة الفلسطينية هذا العام بأنه "الأصعب" منذ قيام السلطة الفلسطينية.
على صعيد الاستيطان والتهويد، وفي مدينة القدس المحتلة يواصل الاحتلال إمعانه في الإجراءات التهويدية للمدينة المُقدسة؛ حيث استمرت قواته في تنفيذ عمليات التجريف في المقبرة اليوسفية الملاصقة لأسوار البلدة القديمة، كما قامت بتثبيت كاميرات مراقبة فوق أسوار المقبرة، واضعةً مزيدًا من الأسوار الحديدية في محيطها لمنع وصول المقدسيين إليها.
بالمقابل، يواصل عدد من المواطنين الرباط داخل المقبرة وأداء الصلوات فيها، مؤكدين على حقهم في حماية مقدساتهم وجثامين ورفات ذويهم، ومستنكرين غياب المواقف الرسمية من السلطة الفلسطينية أو التفاعل الشعبي لوقف انتهاكات الاحتلال. وتأتي أعمال التجريف بعد ثلاثة أيام من قيام ما تسمى “سلطة الطبيعة” معززةً بقوات من الاحتلال، بنبش قبور وطمسها بالكامل تمهيدًا لتحويلها إلى “حديقة توراتية".
في ملف الأسرى، تواصل دولة الاحتلال تجاهل معاناة الأسرى الفلسطينيين الإداريين الستة المضربين عن الطعام، رفضًا لاعتقالهم الإداري؛ حيث قامت مخابرات الاحتلال بتمديد اعتقال أحد هؤلاء المضربين، رافضةً الاستجابة لمطالبهم المتمثلة في إطلاق سراحهم. بدورها، هددت فصائل المقاومة في غزة الاحتلال من استمرار تغوله على الأسرى، وقالت إن خياراتها ستكون مفتوحة للرد على هذه الجريمة. ويومًا بعد يوم تزداد معاناة هؤلاء الأسرى المضربين الذين يرقد بعضهم بحالة خطرة على أسرة المشافي، فيما حذرت مؤسسات حقوقية وقانونية من خطورة الوضع الصحي للأسيرين "كايد الفسفوس"، الذي يقبع بمستشفى "برزلاي"، و"مقداد القواسمة" الذي يقبع في مستشفى “كبلان".
يذكر أن سلطات الاحتلال رضخت لمطالب أسرى "حركة الجهاد الإسلامي"، الذين صعدوا من حملتهم ضد إدارة السجون رفضًا للإجراءات العقابية، ما دفعهم إلى تعليق الإضراب المفتوح عن الطعام. كما أعلنت الهيئة القيادية العليا لأسرى الحركة تحقيق انتصار على السجان "الإسرائيلي"، وقالت إن قرار تعليق الإضراب المفتوح عن الطعام جاء بعد خضوع إدارة السجون "الإسرائيلية" لتحقيق معظم مطالب أسرى الحركة، والتي أهمها "وقف الحملة المسعورة" ضدهم، ورفع كل الإجراءات العقابية بحقهم.
في الشأن المحلي الفلسطيني، عكس اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عمق الأزمة التي تمر بها المنظمة، وقيادة السلطة على الصعيد الداخلي من جهة، بعد إعلان حزبين رئيسيين، هما "الشعب" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، مقاطعة الاجتماع وعودتهما للمشاركة المشروطة، وخارجيًا من جهة أخرى، بعد إقرار رئيس السلطة، محمود عباس، وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" المقرب منه، حسين الشيخ، أن الإدارة الأمريكية "تماطل" و"تكذب" في وعودها.
من جانبها، نجحت حركة "فتح" في إقناع "الشعب" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" بالعودة عن قرار مقاطعة اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة، والذي جاء قبل يوم واحد من الاجتماع ولأسباب عدة. لكن السبب الواضح هو قطع "عباس" مخصصات الحزبين منذ أشهر، على خلفية مواقفهما من مقتل المعارض السياسي، نزار بنات، وانتقادهما قمع الحريات وضرب المتظاهرين. وقد وافقت "الديمقراطية" و"حزب الشعب" على المشاركة في الاجتماع بعد أن وافق "عباس" على أمر صرف المخصصات لأربعة أشهر بأثر رجعي.
بعيدًا عن الاجتماع الشكلي والهش لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي تم تحت التهديد بقطع المخصصات، أكدت مصادر من اللجنة التنفيذية أن "عباس" ما زال يصر على موقفه من التزام حركة "حماس" بجميع قرارات الشرعية الدولية كخطوة تسبق مشاركتها في أي حكومة فلسطينية. أما على الصعيد الخارجي، فقد قدّم "حسين الشيخ" مداخلة حول العلاقات مع الإدارة الأمريكية، والتي وصفها بالمخيبة للآمال، إذ لم يفِ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأي من وعوده للفلسطينيين، ما جعل "عباس" و"الشيخ" يصفان المسؤولين الأمريكيين قائلين: "عم يضحكوا علينا وكذابين".
ومنذ أسبوع شرعت قيادة السلطة والمنظمة بعقد اجتماعات لها بدأت بعقد اجتماع للجنة التنفيذية، ثم اجتماع للجنة المركزية لحركة "فتح"، وتوجت باجتماع ثالث موسع ضم اللجنتين التنفيذية والمركزية وبعض الأمناء العموم للفصائل، حيث جرى الاتفاق على عقد جلسة للمجلس المركزي، لإقرار آلية عمل سياسية جديدة، بحد أقصى مطلع العام القادم.
في السياق ذاته، أعلن "عباس" وبشكل مفاجئ عن تنظيم المؤتمر الثامن لحركة "فتح" في آذار/ مارس المقبل، وهو المؤتمر الذي يناط به إفراز لجنة مركزية جديدة، ومجلس ثوري جديد للحركة خلفًا للسابق الذي أفرزه المؤتمر السابع.
في هذا الإطار، يقول مطلعون إن المؤتمر القادم سيشهد محاولات لتعزيز قبضة "عباس" والمتحالفين معه أكثر فأكثر، في وجه الخصوم السياسيين الذين برزوا في السنوات الأخيرة. يذكر قياديًا في "فتح" أكد أن الأهم من إخراج الخصوم هو إدخال الحلفاء؛ فخلال السنوات الماضية حاول "عباس" إدخال مدير عام المخابرات، اللواء ماجد فرج، إلى مركزية "فتح"، لكن ذلك كان يتطلب موافقة ثلثي أعضاء المركزية لكي يدخل وفق النظام الداخلي للحركة، بينما رفضت المركزية ذلك مرات عديدة.
وتَعتبر المصادر أن المؤتمر الثامن يهدف لتمكين "جماعة الرئيس" تمهيدًا لخلافته، فيما سوف يعتمد على أعضاء الأقاليم الموجودين حاليًا دون الحاجة لانتخابات أقاليم، لأن فترتهم القانونية وفق لوائح الحركة لم تنته، ما يسهل عملية عقد المؤتمر بالوجوه الموجودة حاليًا.
خارجيًا، عادت السلطة للمشاركة في "إكسبو دبي" بعد سنوات من القطيعة مع الإمارات، واستغل "ماجد فرج" الحدث للقاء المسؤولين الإماراتيين وترميم العلاقات معهم، وتسويق نفسه كخليفة للرئيس "محمود عباس"، كما أعلن حاكم دبي، محمد بن راشد، أنه التقى "فرج" خلال زيارة الأخير لجناح فلسطين.
إلى ذلك، قالت مصادر مصرية إن وفدًا من "حركة الجهاد الإسلامي" وصل إلى القاهرة، تلبيةً لدعوة من المسؤولين بجهاز المخابرات العامة. وبحسب المصادر، فإن وفد الحركة يضم قيادات قادمة من قطاع غزة، إضافةً إلى الأمين العام للحركة، زياد النخالة، الذي ترأس الوفد قادمًا من بيروت. وسيبحث الوفد في مصر أجندة مليئة بالملفات شديدة الحساسية، أبرزها موقف الحركة المتشدد إزاء النهج "الإسرائيلي" في التعامل مع أزمات قطاع غزة، والذي تصفه الحركة بـ"المراوغ".
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا