استنتاجات الموجز:
ملامح صفقة تركية روسية شمال سوريا تتيح للروس والنظام الانتشار في محيط "عين العرب" مقابل إجبار "قسد" على الانسحاب من "تل رفعت" و"منبج" و"عين عيسى" و"تل تمر"
انسحاب "الفرقة الرابعة" من محافظة درعا يدل على دور روسي بتطبيق تفاهمات دولية بإبعاد إيران والمجموعات المرتبطه بها والقوات المحسوبه عليها في قوات النظام عن الجنوب السوري
ما زالت أحداث الشمال الشرقي من سوريا تُسيطر على المشهد السياسي والعسكري في البلاد، خصوصًا شرق نهر الفرات الذي يشهد بين وقت وآخر اشتباكات بين فصائل المعارضة المدعومة من الجيش التركي، وبين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). وتشي التحركات السياسية المتلاحقة للأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في المشهد السوري بوضع ترتيبات جديدة لشمال البلاد، وصفقة ما يجري التحضير لها لتفادي تصعيد عسكري واسع النطاق من قبل تركيا، التي تتطلع لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية على حساب "قسد"، التي وجدت نفسها بين خيارات صعبة، ما اضطرها لإيفاد وفد ترأسه رئيسة الهيئة التنفيذية لـ"مجلس سورية الديمقراطية" (مسد) إلى روسيا للبحث في مقترحات روسية تخص الشمال السوري. والتقى الوفد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونائبه لشؤون الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، وعددًا من كبار المسؤولين عن الملف السوري في الخارجية الروسية، حيث تم بحث سبل حل الأزمة السورية والملفات الثنائية التي تهم الجانبين لدفع التسوية السورية عمومًا.
ورغم رفض "قسد" مقترحًا روسيًّا بإدخال 3000 عنصر من قوات النظام إلى مدينة "عين العرب" (كوباني)، لمنع تكرار سيناريو درعا في المدينة، إلّا أنّ رئيسة الوفد تبحث في موسكو عن صيغة تتيح للروس والنظام الانتشار في محيط "عين العرب" لدرء الخطر التركي عنها، دون السيطرة الفعلية على المنطقة، أو ربما تمنح النظام امتيازات جديدة في منطقة شرق الفرات أو غربه، منها السماح له بإنشاء مربع أمني إما في منبج أو الطبقة أو الرقة. ولكن هذا الأمر لن يرضي أنقرة التي تريد دفع هذه القوات بعيدًا عن حدودها، مع الحصول على مناطق في غرب الفرات مثل "تل رفعت" أو منبج أو شرق الفرات مثل "عين عيسى" أو "تل تمر".
في الأثناء، يستعد الجانبان التركي والروسي لخوض جولة مباحثات جديدة في أنقرة، لوضع ترتيبات خاصة بالشمال السوري تسمح للجانبين بالحصول على مكاسب. ويبدو أن موسكو تدفع باتجاه "مقايضة" مع الجانب التركي تشمل الشمال الغربي من سوريا، حيث تبحث عن مكاسب لها وللنظام في محافظة إدل،ب مقابل مكاسب لأنقرة إما في ريف حلب الشمالي أو في شرقي نهر الفرات.
إلى ذلك، ورغم الهدوء النسبي والحراك السياسي، تجددت الاشتباكات بين "الجيش الوطني السوري" المعارض و"قسد" على محاور "عين عيسى" بريف الرقة الشمالي الغربي، تزامنًا مع قصف من الجيش التركي لمواقع "قسد" في المنطقة وتحليق الطائرات الحربية التركية عند الحدود السورية، ما أسفر عن دمار في بعض المواقع.
في غضون ذلك، عاد القصف العنيف ليستهدف مناطق سيطرة "الجيش الوطني" السوري المعارض ومناطق النفوذ التركي شمالي سوريا، حيث أوقعت هجمات صاروخية قتلى وجرحى في مدينة عفرين شمالي حلب. وتشكّل عودة القصف بهذا الشكل محطة لتوجيه الأنظار نحو الخيارات التركية حيال تنفيذ عمل عسكري جديد ضد "قسد"، بعدما كانت قد خفّت حدة التصريحات التركية حول عمل وشيك خلال الأيام الماضية. وفور وقوع القصف، توجهت الاتهامات مباشرة نحو "قسد"، سواء من قبل تركيا أو من المعارضة.
وزادت حدة الاشتباكات شمالي حلب بين فصائل المعارضة المدعومة من تركيا من جهة، وقوات النظام و"قسد" من جهة أخرى، وذلك في أعقاب القصف الذي تعرضت له عفرين، حيث قصفت القوات التركية وفصائل "الجيش الوطني" بالمدفعية الثقيلة مناطق انتشار "قسد" وقوات النظام بريف حلب الشمالي، وذلك في أعقاب قصف مماثل على مواقع قرب القاعدة الروسية على أطراف دير جمال، وقرى وبلدات تابعة لريف مدينة عفرين.
بموازاة ذلك، لا يزال الطريق الدولي شمال سوريا "إم-4"، محل خلاف كبير بين الجانبين التركي والروسي، حيث تحوّل إلى عقدة تحول دون اتفاق أنقرة وموسكو على وضع ترتيبات ترضي جميع الأطراف المتناحرة، وتسمح باستعادة الحركة على هذا الطريق. وتروّج وسائل إعلام النظام أن الجانبين الروسي والتركي سيضعان اللمسات الأخيرة على اتفاق يخص هذا الطريق، يصب لصالح النظام في اجتماع خبراء يعقد في أنقرة الأسبوع المقبل، مقابل ضمان خروج "قسد" من بعض مناطق شمال شرقي سوريا. كما زعمت أن "المحادثات الروسية التركية ستفضي في النهاية إلى إجبار "قسد" على الانسحاب من أربع نقاط تستهدفها تركيا، هي "تل رفعت" و"منبج" بريف حلب و"عين عيسى" بريف الرقة و"تل تمر" بريف الحسكة. وقالت وسائل الإعلام السورية أيضًا إن الجانب التركي أبدى ترحيبًا بعودة قوات النظام إلى هذه المناطق في حال انسحاب "قسد" منها، إلا أن الأخيرة أكدت على لسان قياديين أبرزهم قائدها "مظلوم عبدي"، أنها ليست بصدد الانسحاب من أي منطقة لصالح النظام.
لكن الوقائع الميدانية تشير إلى أن أنقرة تبدي تشددًا حيال ملف الطريق الدولي "إم-4"، خصوصًا في إدلب حيث يقطع ريفها الجنوبي، إذ إن سيطرة النظام عليه تعني إبعاد فصائل المعارضة السورية عن الريف، الذي يضم منطقة جبل الزاوية ومدينة أريحا وبلدات أخرى، أي نزوح نحو نصف مليون مدني عن المنطقة.
ميدانيًّا، تبادلت قوات النظام القصف مع فصائل المعارضة شمال غرب سوريا إثر اشتباكات وعمليات قنص، ما أوقع خسائر في صفوف الطرفين. فمن جانبها، قصفت فصائل المعارضة السورية مواقع لقوات النظام في بلدة جورين بريف حماة الغربي، فيما استهدفت الأخيرة قرى وبلدات بجبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي. ويأتي ذلك بعد مقتل عنصرين من قوات النظام وإصابة آخرين قنصًا برصاص فصائل "الفتح المبين" على محور "الفوج 46". كما دمرت الفصائل مركزًا للرصد على محور بريف حلب الغربي. بالمقابل، قُتل أربعة عناصر من فصيل "جيش النصر" بقصف مدفعي لقوات النظام على قرية القاهرة غربي حماة، من مواقعها في معسكر جورين. كما استهدفت الطائرات الروسية قرى جنوب إدلب، ومناطق متفرقة شرق المحافظة.
في سياقٍ آخر، شهد ريف دير الزور هجومًا هو الرابع لعناصر تنظيم "داعش" على مواقع قوات النظام ومواقع المجموعات الموالية له، ما أدى لسقوط قتلى وجرحى، وشهدت مدينة البوكمال استنفارًا أمنيًّا عقب الهجوم، وإرسال تعزيزات عسكرية من قبل "اللواء 47" إلى موقع الهجوم. وسبق أن شهدت بادية البوكمال هجومًا عنيفًا لـ"داعش" طاول مجموعة "أسود الشرقية" الموالية للنظام، وأسفر عن سقوط أكثر من 14 قتيلًا وجريحًا بينهم قائد المجموعة، عبد الستار الرجب.
بالمقابل، استأنف الطيران الحربي الروسي طلعاته وغاراته على مناطق متفرقة من البادية السورية بعد يوم شن فيه أكثر من 40 غارة على أهداف ومراكز تتحصن فيها عناصر "داعش"، إضافة لمناطق أخرى في محيط تدمر شرقي حمص، بينما لم ترد معلومات عن نتائج تلك الغارات. وتأتي تلك الغارات تزامنًا مع تحضير عسكري للمجموعات الروسية مثل قوات "الفيلق الخامس" و"الفرقة 25 مهام خاصة"، لشنّ عملية عسكرية جديدة في بادية الرصافة، وذلك بعد تكثيف التنظيم هجماته في المنطقة وتعاظم نشاطه فيها، ما أدى لمقتل أكثر من 30 عنصرًا لقوات النظام والمجموعات المرتبطة بروسيا وإيران.
في خضم ذلك، تشي الأنباء بشأن انسحاب "الفرقة الرابعة" من محافظة درعا جنوب البلاد، بمعطيات عن دور روسي لتطبيق تفاهمات دولية جرى الحديث عنها، تتعلق بمزيد من الضغوط لإبعاد المجموعات الإيرانية عن الجنوب السوري، أو القوات المحسوبة على طهران في قوات النظام. وتؤكد المعطيات أنّ الدور الدولي كان واضحًا في اتفاق التسوية حيال درعا، والذي أنهى التوتر بين النظام والمعارضة قبل أشهر، وذلك بعد ضمانات روسية بتطبيق الاتفاق، والذي يشار إليه على أنه حظي بمباركة غربية و"إسرائيلية"، لتعهد روسيا بالضغط على النظام والإيرانيين لإبعاد المجموعات المرتبطة بطهران عن الجنوب السوري، لا سيما عند الحدود مع الأراضي المحتلة في الجولان والقنيطرة.
بدورها، استكملت "الفرقة الرابعة" انسحابها من مواقعها في معمل الكونسروة وأبنية الري والمعهد الزراعي والجامعات، التي تمركزت فيها منذ شباط/ فبراير الماضي، ما يعني أن الفرقة استكملت تقريبًا انسحابها من المحافظة، باستثناء عناصر الفوج 666 التابع للفرقة، الذي يغطي المنطقة الغربية من المحافظة، ويتخذ من منطقة الضاحية، التي تبعد خمسة كيلومترات عن مركز محافظة درعا، مقرًا له، حيث معظم عناصر الفوج هم من أفراد التسويات الذين عملوا مع فصائل المعارضة، والذين يرفض معظمهم مغادرة المحافظة.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا