استنتاجات الموجز:
استمرار مساعي مصر لعودة سوريا للجامعة العربية بعقد لقاءات سياسية وأمنية واستخبارية غير معلنة يقابله رسائل إيرانية أنّ أي تقارب عربي لن يكون على حساب مصالحها الاستراتيجية
التأزم الجديد في العلاقة بين النظام السوري و"الإدارة الذاتية" الكردية مؤشر على انسداد الأفق أمام تفاهمات سياسية بين النظام و"قسد"
النظام يحاول التقرب من المؤسسات الدولية وصندوق النقد عبر خصخصة قطاعات حيوية وخدمية ورفع الدعم عن الفئات الفقيرة
على وقع مساعي وتحركات مصر وبعض الدول العربية لحسم عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، ارتفعت وتيرة زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى دمشق، وتدشين إيران مشاريع اقتصادية في سوريا، في خطوةٍ بدا أن الهدف منها توجيه رسائل بأنّ أي تقارب عربي مع النظام لن يكون على حساب مصالح إيران السياسية والاقتصادية والعسكرية في سوريا.
ورغم وجود محاذير أمريكية وأوروبية متعلقة بموقف الغرب من النظام السوري، ما زالت مصر مستمرة في عقد لقاءات واتصالات غير معلنة، على المستوى السياسي والأمني والاستخباري لهذا الهدف بقيادة رئيس جهاز المخابرات العامة، عباس كامل، الذي بحث ملف عودة سوريا إلى الجامعة مع عدد من رؤساء أجهزة المخابرات العربية، خلال المنتدى الاستخباري العربي الذي استقبلته القاهرة خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
في السياق، أفادت مصادر مصرية مطلعة بأنّ القاهرة تتبنى حسم الملف، فإذا لم يتم التوصل لتمثيل النظام السوري في القمة المقبلة، فعلى الأقل يكون هناك توافق بشأن حسم عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة، من خلال طرح الملف على القمة التالية ليتم التصويت عليه. وأوضحت المصادر أن مصر استطاعت انتزاع موافقة ضمنية من بعض الدول، التي كانت تتبنّى موقفًا رافضًا لعودة سوريا إلى الجامعة كتونس والمغرب، مؤكّدةً أنّ الموقف القطري هو الذي يمثل عقبة في طريق التحركات المصرية المدعومة من أطراف خليجية.
بالتوازي مع الجهود المصرية، طفت على السطح محاولات إيرانية لإفساد أي تقارب عربي مع النظام على حساب مصالحها الاستراتيجية في سوريا؛ حيث استقبلت طهران وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، الذي أجرى سلسلة لقاءات جمعته بنظيره الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، إضافةً إلى مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي.
وقبل الزيارة كثّفت إيران من زيارة مسؤوليها لدمشق؛ حيث زار وفد اقتصادي إيراني يرأسه وزير الصناعة والمناجم والتجارة، رضا فاطمي أمين، الذي حضر اجتماعات "الملتقى الاستثماري التأسيسي السوري - الإيراني"، معلنًا أنّ بلاده بصدد تأسيس مصرف مشترك مع النظام لتسهيل التجارة بين البلدين. كما افتتح "أمين" المركز التجاري الإيراني في المنطقة الحرّة بدمشق، لتقوية العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين. وجاء افتتاح المركز تزامنًا مع معرض المنتجات الإيرانية الذي افتُتح في مدينة المعارض بدمشق، وتشارك فيه 164 شركة تجارية وصناعية.
في السياق، زار قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، محافظة دير الزور، حيث أشرف على عملية تخريج مجموعة جديدة من العناصر المنخرطة في صفوف مجموعة "فاطميون"، وذلك بحضور مجموعة من القياديين، من بينهم "سبحان أفغاني"، القائد العسكري لـ"فاطميون".
في خضم المساعي العربية، وعلى المستوى الدولي، أكد ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي سياسيًا بالنظام السوري وعدم التعاون معه، وأنّ الاتحاد لا يريد زيادة العلاقات الدبلوماسية معه، معتبرًا أنّه لا يوجد سبب حاليًا يدفع الاتحاد لتغيير موقفه. كما فرضت "الإدارة الأمريكية" مجددًا عقوبات خارج سياق "قانون قيصر"، على ضباط ذوي رتب عالية في المنظومة العسكرية والأمنية للنظام؛ اثنان منهم مسؤولان أو مشاركان في هجمات بأسلحة محرمة دوليًا. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية إنها فرضت عقوبات على اثنين من كبار ضباط القوات الجوية، وثلاثة ضباط كبار في أجهزة الأمن والاستخبارات في سوريا، مضيفةً أن هؤلاء المسؤولين الكبار والمنظمات المرتبطة بهم قاموا بسجن مئات الآلاف من السوريين الذين طالبوا سلميًا بالتغيير.
في الأثناء، يسعى النظام لاستعادة الشرعية المفقودة والخروج من طوق الحصار والعقوبات، والحصول على مبالغ مالية تساعده بالاستمرار؛ حيث اتخذ رئيس النظام، بشار الأسد، إجراءات تقرّبه من المؤسسات المالية الدولية، ومنها صندوق النقد والبنك الدوليين، عبر زيادة وتيرة الخصخصة لقطاعات حيوية وخدمية، ورفع الدعم عن الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل. ويأتي ذلك بعد جولات للنظام لتعويم نفسه عربيًا عبر تعزيز التعاون الاقتصادي مع الأردن والإمارات، وغيرهما من الدول العربية من خلال شراكات تجارية.
وضمن مشروعات حيوية قرّر النظام خصخصتها، اتجه "الأسد" نحو قطاع الكهرباء، بإصدار مرسوم يقضي بجواز شراء الكهرباء المنتجة من مشاريع الطاقات المتجددة، التي يمكن ربطها مع شبكة النقل أو شبكة التوزيع إذا توافرت الإمكانات الفنيّة لذلك. كما تسارعت خطوات النظام للاقتراب من المؤسسات الدولية عبر رفع الدعم عن المواطنيين، بعدما واصلت الحكومة سياسة رفع أسعار المشتقات النفطية، حيث زاد سعر المازوت على الصناعيين إلى 1700 ليرة، ورفع سعر الغاز المنزلي والمازوت المدعوم من 170 إلى 500 ليرة، مؤخرًا. كما أعلنت الحكومة "استبعاد الشرائح الميسورة" من دائرة الدعم، ليبدأ منذ مطلع العام الجديد، توجيه الدعم للشرائح الأكثر فقرًا، من عاطلين عن العمل وأصحاب الأجور المنخفضة.
بموازاة ذلك، تأزمت العلاقة مجددًا بين النظام و"الإدارة الذاتية" الكردية؛ إذ يحاول النظام الضغط على "الإدارة الذاتية" لفرض سيطرته على مناطقها بالشمال الشرقي من سوريا. ويؤكّد التأزم الجديد في العلاقة بين الطرفين انسداد الآفاق أمام تفاهمات سياسية، يمكن أن تفضي إلى تسوية للجانبين في الشمال الشرقي من سوريا. وجاء التأزم في العلاقة حين فرضت قوات الأمن الداخلي (الأسايش)، التابعة إلى "الإدارة"، شمال شرقي سوريا، حصارًا على مربعين أمنيين للنظام في محافظة الحسكة، وذلك بعدما اعتقل النظام أربعة من كوادر "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) يتلقون العلاج في أحد مستشفيات دمشق. واعتقلت "الأسايش" "عزو الصديد"، أحد وجهاء "عشيرة شمّر" المعروفين بموالاتهم للنظام، إلا أنها اضطرت للإفراج عنه لتفادي الصدام مع عشيرته.
ميدانيًا، جددت قوات النظام وروسيا خرقهما لوقف إطلاق النار شمال غربي البلاد مستهدفين منازل للمدنيين في ريفي حلب وإدلب، تزامنًا مع محاولة تقدم إلى نقاط قرب خطوط التماس بريف حلب. بدورها، ردت المعارضة بقصف مواقع للنظام في المنطقة، بينما قصف الطيران الحربي الروسي مناطق متفرقة بجبل الزاوية بريف إدلب الشمالي، موقعًا أضرارًا مادية في ممتلكات المدنيين، فيما قصفت قوات النظام بشكل مكثف قرى وبلدات بريف حلب الغربي وريف إدلب الشمالي، موقعًا قتلى وجرحى من المدنيين وأضرارًا مادية في الممتلكات.
من جهةٍ أخرى، واصل الطيران الحربي الروسي غاراته على مناطق متفرقة في البادية السورية، حيث شنّ أكثر من 20 غارة على أهداف غير واضحة في بادية الشولا جنوب غرب دير الزور، وترافقت مع عمليات تمشيط بري تجريها قوات النظام ومجموعات "الدفاع الوطني" ضد خلايا "داعش".
في شأنٍ منفصل، تصاعد الفلتان الأمني ونشطت حوادث الاغتيال في درعا، رغم انتهاء التسويات في الجنوب السوري، حيث استهدف مجهولون قياديًا سابقًا بـ"الفيلق الثامن" في درعا وأردوه قتيلًا. كما اقتحم مجهولون مبنى مجلس بلدية أنخل، وقتلوا نائب رئيس المجلس، مأمون الجباوي، وهو ضابط متقاعد، إضافةً لعملية اغتيال أخرى طالت أحمد البقيرات"، عضو "لجنة درعا المركزية"، إثر إطلاق الرصاص عليه من قبل مسلحين مجهولين في بلدة تل شهاب غربي درعا.
على صعيد ميداني آخر، استهدفت طائرات "إسرائيلية" مرفأ مدينة اللاذقية، في موقع غير بعيد عن قاعدة حميميم الروسية، في خطوة هي الأولى من نوعها، ما يؤكد وجود تنسيق عالي المستوى ما بين "الإسرائيليين" والروس للحد من نفوذ الإيرانيين في سوريا. وأدى القصف إلى اشتعال عدد كبير من الحاويات وانفجارات عنيفة خلّفت خسائر مادية فادحه، حيث استهدف القصف شحنة أسلحة تابعة للمجموعات الإيرانية.