استنتاجات الموجز:
الحراك السياسي من محادثات أستانة وجولة "بيدرسون" لإعادة إحياء مباحثات "اللجنة الدستورية" ومؤتمر استوكهولم يسير بلا جدوى سياسية ولا تصور واضح لحل الأزمة السورية
الهجوم السعودي على النظام السوري رسالة واضحة برفض الانفتاح عليه قبل تطبيق القرارات الدولية وضربة قوية لمحاولات بعض الدول العربية فك عزلة النظام وإعادته للجامعة العربية
شهدت الساحة السورية حراكًا سياسيًا مكثفًا خلال الفترة السابقة، بدأ بزيارة قام بها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، ولقائه وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، في محاولةٍ منه لإعادة إحياء مباحثات "اللجنة الدستورية"، إضافةً لعقد لقاء تشاوري في استوكهولم بدعوة من "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) لعدد من القوى والشخصيات السورية المعارضة، وصولًا إلى اجتماعات "أستانة 17" بين الثلاثي الضامن (تركيا روسيا إيران)، إلّا أنّ جميع هذه اللقاءات بلا جدوى سياسية، ولم تخرج بتصور واضح لحل الأزمة السورية.
وفي العاصمة الكازاخية نور سلطان، عُقدت أعمال الجولة 17 من مسار أستانة التفاوضي حول سوريا، بمشاركة وفود من الدول الثلاث الضامنة لتفاهمات هذا المسار، إضافةً إلى النظام والمعارضة والأمم المتحدة، ودول مشاركة بصفة مراقب، وهي لبنان والعراق والأردن، وممثلي منظمات دولية.
ولم يخرج البيان الختامي لهذه الجولة عن نطاق بيانات الجولات السابقة، إذ كرر الثلاثي الضامن العبارات نفسها، التي تدعو إلى "الالتزام بوحدة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها ومواصلة العمل المشترك لمحاربة الإرهاب"، ورفض الأجندات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادتها وسلامتها الإقليمية. ويؤكد هذا أن جولات ذلك المسار لم تقدم حلولًا جادة، بل تحولت إلى لقاءات لها طابع إعلامي بين الثلاثي الضامن. كما أكّد المجتمعون بحسب البيان الختامي على زيادة المساعدات الإنسانية لجميع السوريين دون تمييز وتسييس وشروط مسبقة". وأشار البيان أيضًا إلى أن الدول الضامنة لتفاهمات مسار أستانة، "بحثت بشكل مفصّل الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب وأكدت ضرورة التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات بشأنها"، وهو ما يعني بقاء الوضع كما هو عليه في الشمال الغربي من سوريا؛ أي حالة اللا حرب واللا سلم.
وفيما يتعلق بالعملية السياسية التي تراوح مكانها، أكدت الدول الضامنة دعمها لـ"اللجنة الدستورية"، لكن دون إشارة واضحة إلى موعد الجولة السابعة من اجتماعات هذه اللجنة في جنيف. ويبدو أن تركيا وروسيا لم تردما هوة الخلاف حول مستقبل محافظة إدلب، الخاضعة حتى الآن لتفاهمات بين الدولتين أُبرمت في آذار/ مارس من العام الماضي، وتدعو إلى استعادة الحركة على الطريق الدولي حلب اللاذقية "إم-4"، وهو ما لم يتحقق بسبب تعقيدات ميدانية في المنطقة التي تضم تنظيمات ومجموعات متشددة.
وفي مؤشر واضح على فشل المجتمعين في التوصل لحلول في الملفات الرئيسية، أعلن مستشار وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر حاجي، أن لقاءً بين وزراء خارجية الدول الضامنة لصيغة أستانة، سيعقد في طهران مطلع العام المقبل، مشيرًا إلى أنّ روسيا وإيران وتركيا اتفقت على عقد لقاء قمة لرؤساء الدول الثلاث في طهران، وسيرتبط الموعد الدقيق لهذه القمة بوضع جائحة "كورونا".
وقبيل محادثات أستانة، قام "بيدرسون" بزيارة إلى دمشق التقى خلالها وزير خارجية النظام، في محاولة لإعادة إحياء مباحثات "اللجنة الدستورية"، إذ يرسم "بيدرسون" مقاربة جديدة للقضية السورية، بعد أن فشل في إحداث تغيرات في المشهد السياسي طوال الفترة الماضية. وتحدث "الممثل الأممي عن وجود فرصة جادة لبحث إمكانية تطبيق مقاربة خطوة بخطوة بهدف بناء الثقة، معلنًا أنّه لمس خلال مباحثاته مع مسؤولين عرب وأمريكيين وأوروبيين إمكانية للانفتاح على دمشق.
وأوضح "بيدرسون" أنّ خطته مرتبطة بالوضع الإنساني والاقتصادي، معتبرًا أنّ هناك فرصًا لإعادة إطلاق المسار السياسي، دون تقديم إيضاحات كافية عن كيفية إحياء هذا المسار، في ظل تعنّت النظام ورفضه تطبيق القرار الدولي 2254، الذي حدد بالفعل خطوات واضحة لإيجاد حل للقضية السورية.
ورغم تأكيد "بيدرسون" أنه لا يوجد حتى الآن موعد لجولة جديدة من مفاوضات "اللجنة الدستورية"، إلا أن صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أفادت بأن "هناك فرصًا كبيرة لعقد الجولة السابعة من المفاوضات، في النصف الثاني من كانون الثاني/ يناير المقبل".
إلى ذلك، عقدت "القوى والشخصيات الديمقراطية" المعارضة لقاءً تشاوريًّا في استوكولهم بدعوة من "مسد" نظمه مركز "أولف بالمه الدولي". ويأتي هذا اللقاء تمهيدًا لمؤتمر يخطط "مسد" لعقده العام المقبل، إذ تؤكد هوية المشاركين والبيان الختامي أن اللقاء لم يخرج عن نطاق اجتماعات سابقة عقدتها قوى معارضة، دون أن تفضي إلى أي تأثيرات في المشهد السياسي. وتضمن البيان الختامي للقاء العبارات المكررة نفسها في بيانات تيارات المعارضة السورية، من قبيل ضمان عودة اللاجئين السوريين الطوعية والآمنة إلى ديارهم، وإطلاق سراح جميع المعتقلين والمخطوفين، والكشف عن مصير المفقودين والمغيبين قسريًا. كما أكّد المشاركون على ضرورة "التمسك بالقرار الأممي 2254 وبيان جنيف1 كأساس للحل السياسي في سوريا، موضحين أن أي حل سياسي يجب أن يكون ديمقراطيًا من دون إقصاء أي طرف.
بموازاة ذلك، وجّهت السعودية ضربة قوية لمحاولات بعض الأطراف العربية والدولية فكّ العزلة عن النظام السوري، وصعّبت مساعيهم لإعادة النظام إلى جامعة الدول العربية العام المقبل. وذلك بعدما شن سفير المملكة في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، هجومًا حادًا ومباشرًا على النظام السوري، ورئيسه، بشار الأسد، مُشيرًا إلى أنّ إعلان انتصار "الأسد" في الحرب السورية جاء "فوق هرم من جماجم الأبرياء"، معتبرًا أنّ الحرب لم تنته بعد بالنسبة لآلف السوريين الذين فقدوا أكثر من 350 ألف شهيد.
وتشكل كلمة "المعلمي" رسالة واضحة إلى كل البلدان العربية التي خطت باتجاه التطبيع مع النظام، برفض الانفتاح على هذا النظام قبل تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، والتي يرفض النظام التعامل معها بجدية منذ منتصف عام 2012. ويطرح الكلام السعودي تساؤلات عما إذا كان سيضع حدًا لمساعٍ تبذلها دول عربية لدعوة النظام إلى القمة العربية، المزمع عقدها في الربع الأول من عام 2022 في الجزائر.
وتعليقًا على الهجوم السعودي، قال مصدر دبلوماسي مصري سابق إن موقف القاهرة من النظام السوري ثابت وعميق ولن يتغير، بناء على موقف أي من الأطراف العربية الأخرى، لا سيما السعودية، معتبرًا أنّ العلاقات بين مصر والنظام قوية وتاريخية ومتجذرة، ولا يمكن التنازل عنها لصالح أي تحالفات جديدة، لأن المصالح القومية المصرية العليا، وفق الرؤى الرسمية، تقتضي ذلك.
بالمقابل، وجدت الكلمة السعودية ترحيبًا كبيرًا من قوى الثورة والمعارضة السورية، كونها تضع حدًا لتكهنات راجت في الآونة الأخيرة عن قرب تطبيع المملكة مع النظام، على غرار موقفي كل من الأردن والإمارات. فمن جهته، أثنى "الائتلاف الوطني السوري المعارض" على كلمة المندوب السعودي، معتبرًا أنها "تعبّر عمّا في قلوب أبناء سوريا، وتنقل حقيقة ما يجري على الأرض". كما أشاد "الائتلاف" بـ"المواقف الثابتة لقيادة المملكة ودورها في وأد مؤامرات التطبيع مع النظام، ودعمها الإيجابي لكل القرارات الدولية بشأن الملف السوري".
في غضون ذلك، ورغم التحذيرات الدولية من مخاطر عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا، الذين تعرّض العديد منهم للاعتقال والملاحقة حال وصولهم إلى بلدهم، واصل النظام استغلال قضية ملايين المهجّرين السوريين، بدعوى حرصه على عودتهم، في محاولةٍ منه بالتعاون مع روسيا لإعادة تعويم نفسه واستجلاب المساعدات الدولية. وذلك بعدما عقدت "الهيئتين الوزاريتين التنسيقيتين السورية والروسية اجتماعًا حول عودة المهجرين، بمشاركة وزير خارجية النظام، ونائب وزير الدفاع الروسي، غينادي جيدكو. هذا، بينما تشير الوقائع على الأرض إلى عدم قدرة النظام على تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة للمواطنين الموجودين بالفعل داخل سوريا.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا