رغم أن إيران تريد تجنب إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب بين "إسرائيل" و"حماس"، لكنها ستستمر في دعم مجموعات "محور المقاومة" للضغط على كل من "إسرائيل" والولايات المتحدة، لوقف الحرب في غزة والحفاظ على توازن القوى في المنطقة. وفي هذا الإطار، ستحاول إيران استغلال تلك الحرب كفرصة لتقليص نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن الهجمات التي تشنها الجماعات المدعومة إيرانيًا على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا تتماشى مع هذا الهدف. فالعمليات الأمريكية في سوريا تعتمد بشكل كبير على وجود القوات الأمريكية في العراق، ومن المتوقع أن تركز إيران على تعزيز الجماعات التي تتماشى مع أيديولوجيتها في العراق لجعلها أكثر أهمية.
بالمثل، ستستمر إيران على الأغلب في دعم الحوثيين في اليمن؛ لأن هجماتهم على خطوط الشحن البحرية ستؤدي لاستنزاف الموارد الأمريكية في المنطقة. ورغم أن الولايات المتحدة لا يُتوقع أن تقلص من وجودها العسكري في الشرق الأوسط في المدى القريب، لكن إيران ستضمن أن وجودها ومحاولاتها لترسيخ نفوذها سوف يكون أكثر كلفة. ورغم التوقع بأن تظل التوترات بين إيران والولايات المتحدة مرتفعة، لكن الولايات المتحدة على الأرجح لن تشدد موقفها تجاه إيران، في محاولة منها لكبح مخاطر إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب في الشرق الأوسط. فلم تمنع الولايات المتحدة إيران رسميًا من الحصول على الستة مليارات دولار، كجزء من صفقة تبادل الأسرى التي تم التوصل إليها قبل اندلاع الحرب. كما لا يُرجح أن تعود الولايات المتحدة إلى التدقيق في صادرات النفط الإيرانية الخاضعة للعقوبات الأمريكية والغربية.
أما على الصعيد الداخلي، فسوف يستخدم النظام الإيراني الحرب بين "إسرائيل" و"حماس" لتعزيز قبضته على السلطة وزيادة دعم المتشددين، والحد من المخاطر التي تهدد الاستقرار الاجتماعي وعدم ترك مجال كبير للتغيير السياسي والاحتجاجات التي تخرج في البلاد. ومع تمكن النظام من كبح الاحتجاجات التي خرجت بعد مقتل الشابة "مهسا أميني" بشكل كبير بحلول الربع الأول من عام 2023، يُعتقد أنه سيستفيد أيضًا من الحرب الحالية لإعادة تركيز الاهتمام على أهداف إيران الأيديولوجية وأمنها الداخلي، كما يُعتقد أن يستفيد المسؤولون الإيرانيون في خطاباتهم العلنية من المشاعر المعادية للولايات المتحدة لتعزيز نفوذ النظام. وعلى نحو مماثل، سيستخدم المسؤولون الإيرانيون الهجوم الإرهابي الأخير على ضريح السليمانية في الثالث من كانون الثاني/ يناير، والذي اتهموا "إسرائيل" بارتكابه، لإعادة تركيز الاهتمام على الأمن الداخلي بعيدًا عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية في المدى القصير على الأقل. لكن طالما ظلت الظروف الاقتصادية صعبة واستمرت القيود المفروضة على الحريات فإن مخاطر الاحتجاجات ستظل موجودة.
وفي ظل تضاؤل حركة الاحتجاج وابتعاد الاهتمام الداخلي إلى حد ما عن الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، ستخفت معارضة النظام التي قد يواجهها في انتخابات آذار/ مارس 2024. وسيضمن النظام رقابة مشددة على نتائج الانتخابات نظرًا لعمر المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي (84 عامًا)، وهذا يعني أن الهيئة الحالية، التي تبلغ مدة ولايتها ثمان سنوات، قد تضطر لاختيار خلف لها. وقد استبعد النظام عددًا كبيرًا من الإصلاحيين من خوض الانتخابات، ما مهد الطريق لفوز المحافظين وعزز قبضته على السلطة. وإن كان من المتوقع أن يؤدي الاستياء الشعبي واسع النطاق لانخفاض نسبة الإقبال على الانتخابات، فإن هذا على الأرجح لن يمثل تحديًا كبيرًا للنظام لناحية إحكام قبضته على السلطة.
فيتش سوليوشنز