تتلخص الاستراتيجية العسكرية "الإسرائيلية" الحالية في استخدام التصعيد المستهدف للضغط على "حزب الله"، لحمله على الانسحاب بعيدًا عن الحدود. وتعتمد هذه الاستراتيجية على التصعيد المستمر للهجمات المستهدفة ضد قادة "الحزب" العسكريين واغتيال قادة "حماس" في عمق لبنان، كنوع من التهديد الوجودي لقادته وإقناعهم بقبول مواقع أضعف على الحدود مع "إسرائيل، دون أن تقوم الأخيرة بعمليات برية كبرى. وما يميز هذه الاستراتيجية أنها تتطلب موارد عسكرية "إسرائيلية" أقل وتسمح بنشر قوات احتياطية فقط على الحدود الشمالية، بينما تواصل الوحدات القتالية الرئيسية عملياتها في الخطوط الأمامية في قطاع غزة.
لكن إذا فشلت هذه الاستراتيجية في إنشاء منطقة عازلة قابلة للحياة، فمن المرجح أن تصعّد "إسرائيل" هجماتها الأكبر على البنية التحتية العسكرية لـ"حزب الله" لزيادة الضغط عليه، بما في ذلك استخدام غارات برية متواصلة وضربات أعمق وراء المنطقة الحدودية الجنوبية. ومن المرجح أيضًا أن يشمل سيناريو التصعيد هذا مزيدًا من المدفعية والدبابات والقوة الجوية ضد مواقع "الحزب" الحصينة، مع احتمال شن غارات محدودة قصيرة المدى من قبل قوات العمليات الخاصة، لكن ذلك لن يصل إلى تحشيد قوات داخل الأراضي اللبنانية.
وسيكون الهدف من هذا التصعيد مرة أخرى هو إرسال رسائل إلى "حزب الله" ولبنان بأن "إسرائيل" مستعدة لعمليات توغل برية كبيرة، قد تؤدي لإشعال حرب واسعة النطاق. ويمكن أن تبدأ هذه الحملة حتى قبل أن ينهي الجيش "الإسرائيلي" عملياته في غزة وتعود الوحدات القتالية على الخطوط الأمامية إلى الشمال؛ حيث ستعتمد على القوات الجوية وألوية الاحتياط المنتشرة بالفعل في المنطقة. لكن بالمقابل، سوف تتسبب هذه الاستراتيجية على الأرجح في مقتل كثير من المسلحين والمدنيين، وهو ما سيحفّز المسلحين مرة أخرى على تصعيد عملياتهم الانتقامية ضد "إسرائيل"؛ حيث سيسعى "حزب الله" لإظهار قدرته على الصمود في وجه مثل هذا الهجوم وتعزيز شرعيته كمدافع عن لبنان.
وفي حالة فشل هذه الهجمات الواسعة، فستلجأ "إسرائيل" إلى التوغلات البرية جنوب لبنان، لمحاولة نزع السيطرة على الأرض من المسلحين، وللإشارة إلى أنها قد تصعّد إلى غزو واسع النطاق. وإن كانت المعطيات على الأرض تشير إلى أن "إسرائيل" مقيدة في اختيار القيام بغزو واسع النطاق، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن احتلال غزة يستنزف مواردها، لذلك فإنها ليست حريصة على التوغل في أراضي لبنان والاحتفاظ بها بشكل دائم، كما فعلت في الفترة من عام 1982 إلى عام 2000. لكن "إسرائيل" قد تعطي بعض الإشارات على أن مثل هذا الخيار موجود، من خلال تنفيذ عمليات توغل برية محدودة بكتائب كاملة جنوب لبنان، وبألوية الخطوط الأمامية التي ستكون قادرة على ذلك، للاستيلاء على المنطقة والاحتفاظ بها مؤقتًا.
كما إن لدى "إسرائيل" خيار تكرار غزو واسع النطاق بمجرد انتهاء العمليات القتالية في غزة، رغم أن ذلك سيؤدي على الأرجح لانتقام إيراني مباشر ضد "إسرائيل" نفسها، ما يجعل هذا الخيار غير مرجح. لكن "إسرائيل" قد تنظر فيه فقط إذا حصلت على دعم دبلوماسي كامل من الولايات المتحدة، وأكملت أهدافها العسكرية الرئيسية في غزة، وأصبح لديها وحدة سياسية داخليًا ودعم للعملية، وفي الوقع نفسه إذا صعّد "حزب الله" مستوى الهجمات إلى حد معين، مثل شن ضربات على مدن "إسرائيلية" يجعل من المستحيل تجاهل تهديدها.
ستراتفور